الحصار القاري

الحصار القاري Continental Blockade أو النظام القاري Continental System هو نظام السياسة الخارجية الذي أتبعه نابليون بونابارت في صراعه ضد المملكة المتحدة وأيرلندا أثناء حروبه، وقد أفتتح في عام 1806 وانتهى عام 1814.

اوروبا في 1811.
الألوان تبين (من الأزرق الداكن إلى الأزرق الفاتح) :
- الأزرق الداكن - الامبراطورية الفرنسية،
- الأزرق الفاتح - الدول التابعة لفرنسا،
- الرمادي الأزرق - بلدان تطبق النظام القاري.

كانت المملكة المتحدة قوة كبيرة في تشجيع المقاومة ضد فرنسا، وفي نفس الوقت كان نابليون مفتقر للموارد اللازمة لكي يهزم المملكة المتحدة أو القوات البحرية للملكة المتحدة المتمركزة في البحر، قد حاول ولكن كانت تنتهي المحاولات بالهزيمة وكانت آخر المعارك هي معركة ترا فالجر في عام 1805، فحاول بطريقة أخرى في إلحاق الهزيمة بالقوات البريطانية وكانت من الناحية الاقتصادية, وكنتيجة للثورة الصناعية في هذا الوقت كانت بريطانيا من أصحاب التقدم في هذا المجال والانتعاش الصناعي ومركز صناعي لأوروبا فعمل نابليون حظر التجارة على البلدان الواقعة تحت سيطرته على التجارة مع المملكة المتحدة لتدمير التجارة بها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقدمة

لقد كان نابليون قد عقد العزم على مواجهة حصار إنجلترا لفرنسا بحصار مضاد (الحصار القاري المضاد) بمنع دخول البضائع البريطانية إلى الأسواق الأوربية لكن المجلس الإداري التابع للبابا أصر على أن تظل الموانئ التابعة للولايات الباباوية مفتوحة للجميع. وأكثر من هذا فقد كانت هذه الولايات الباباوية تقف حاجزا (بحكم موقعها) بين شمال إيطاليا وجنوبها، فما الحل وقد أصبح نابليون تواقاً لتوحيد إيطاليا وضمها لتكون تحت قبعته• لقد قال لأخيه جوزيف إن هذا هو هدف سياستي الذي لا أبغي عنه حولا(11) واتساقا مع هذه السياسة استولى الجيش الفرنسي على أنكونا Ancona (1797) وهي ميناء إستراتيجي في البحر الأدرياتي يتحكم في الاتصال بين شمال إيطاليا وجنوبها والآن (31 نوفمبر 1805) كان نابليون يستعد لخوض معركة ضد النمسا وروسيا، فانتهز البابا بيوس السابع هذه الفرصة واستجاب لتحريض مجلسه الإداري وحثه المتهور، فأرسل إلى نابليون تحديا خطيرا: لقد أخذنا على عاتقنا أن نطلب من عظمتكم إخلاء أنكونا Ancona، فإن ووجهنا بالرفض فلا ندري كيف نكون على علاقة صداقة مع وزير عظمتكم(21) وقد أجاب نابليون على هذا التحدي بتحدٍ مضاد إن كان قداستكم تحكمون روما، فإنني إمبراطورها(31) لقد امتعض نابليون كثيرا من إرسال البابا تحديه هذا قبيل معركة أوسترليتز. لقد تحدث نابليون كشارلمان لكنه تقدم كقيصر وهزم النمساويين والروس في معركة أوسترليتز.


الخطة

كان السبب المباشر للحرب الفرنسية الروسية سنة 2181 هو رفض روسيا الاستمرار في الحصار القاري الذي نصَّ عليه مرسوم برلين الذي أصدره نابليون في 12 نوفمبر 6081. وكان هذا المرسوم ينطوي على خطة نابليون بإغلاق كلِّ موانئ وسواحل القارة الأوروبية في وجه البضائع البريطانية، وكانت هذه الخطة تهدف إلى إجبار بريطانيا العظمى على إنهاء حصارها - الذي كانت قد أعلنته في 61 مايو 6081 - على كل الموانئ الخاضعة لفرنسا من بريست Brest إلى إلبا the Elbe، ولإنهاء التدخل البريطاني في حركة التجارة الفرنسية البحرية ولاستعادة المستعمرات الفرنسية التي استولت عليها بريطانيا العظمى، ولإنهاء التمويل البريطاني لدول القارة الأوروبية التي تشن حرباً على فرنسا.

كيف كانت آلية الحصار القاري؟ بحلول عام 0181 أدى هذا الحصار النابليوني المضاد إلى تعرض إنجلترا لهبوط اقتصادي قاس. وفي العامن الأولين (6081 - 8081) بعد إصدار نابليون مرسوم برلين الآنف ذكره انخفضت الصادرات البريطانية من 000،008،04 جنيه إسترليني إلى 000،002،53 جنيه إسترليني، وانخفضت وارداتها من القطن بنسبة 59%. وكإحدى نتائج الحصار ارتفع سعر القمح (الحبوب بشكل عام) من 66 شلناً إلى 49 شلناً لكل ربع (كوارتر: وحدة وزن تساوي 82 باونداً) (ربع الهندريدويت الذي يساوي 211 باوند)، وفي غضون ما لا يزيد إلا قليلا عن عام (7081 - 8081). وفي هذه الأثناء أدى تدهور التجارة الخارجية إلى هبوط الأجور وانتشار البطالة وقيام الإضرابات المدمرة. لقد كانت بريطانيا تحتاج إلى الحديد السويدي لمصانعها وللأخشاب الروسية لسفنها، لكن الحرب مع السويد وتحالف روسيا مع فرنسا (7081) أديا إلى منعه هذين الموردين عنها. وناضلت بريطانيا لمواجهة هذا التقهقر بحماية من تبقّى لها من متنفسات لتجارتها، فارتفعت صادراتها إلى البرتغال وأسبانيا وتركيا (الدولة العثمانية) 004% بين عام 5081 و 1181 إلى أن أتى الغزو الفرنسي المكلِّف لشبه الجزيرة الأيبيرية.

وكانت الأمور تزداد سوءا في بريطانيا كلَّما استمر الحصار؛ لقد انخفضت صادراتها إلى شمال أوربا بما نسبته 02% في عامي 0181 - 1181. وأدى تراجع ميزانها التجاري إلى ارتفاع المبالغ المدفوعة بالذهب في أوربا، كما أدى إلى انهيار قيمة الجنيه في العالم إلى درجة دفعت المعارضة ممثلة في زعيميها جرينفيل وجراي Grenville & Grey إلى المطالبة بالسلام بأي ثمن(1). وفي سنة 1181 - أي قبل عام من حرب نابليون مع روسيا - وصل تأثير حصاره القاري ذروته في بريطانيا العظمى.

وكان الحصار البريطاني لفرنسا مفيداً بشكل جوهري لها (أي لفرنسا) فرغم أن موانئ فرنسا - لي هافر Le Havre ونانت Nantes وبوردو ومارسيليا - كانت قد تعرضت لخراب اقتصادي شديد حتى إن المدينتين الأخيرتين طالبتا بعودة حكم البوربون(2)، إلا أن التجارة الفرنسية الداخلية استفادت من إزاحة المنافسة البريطانية، واستفادت من تدفق الذهب ووفرة رأس المال، والإعانات المالية التي تقدمها حكومة رجل الأعمال التي أَثْرت خزانتها بغنائم الحرب. وكانت أرباح التجار ورجال الأعمال الفرنسيين لا تزال أكثر بسبب هذه العوامل وبسبب تحسن أحوال أسواق القارة وزيادة التيسيرات فيها في ظل سيادة نابليون. وتضاعفت صناعة النسيج أربع مرات في الفترة من 6081 إلى 0181 مما عجَّل بالثورة الصناعية - بعد ذلك - في فرنسا. وأعطى انعدام البطالة والاستقرار السياسي في نطاق الحدود الممتدة حافزاً للصناعة حتى إنه لو ربحت فرنسا الحروب النابليونية لكانت قد أدركت إنجلترا إنتاجاً وتجارة عالمية، وضارعتها.

فشل النظام

وكان الحصار القاري (الذي فرضته فرنسا) مفيداً لصناعتها وتجارتها الداخلية، لكنه كان مُضراً بالتجارة الخارجية بالنسبة إلى دول النظام القاري التابعة لنابليون. فالمدن الهانسيتية - أمسترادم، وهامبورج، وبريمن ولوبك Lûbeck - كان من الطبيعي أن تعاني من الحصار القاري المزدوج (المقصود الحصار القاري الذي فرضه نابليون على البضائع البريطانية، والحصار الذي فرضته بريطانيا على الموانئ والسواحل الفرنسية والتابعة لفرنسا)، لكن سويسرا وشمال إيطاليا ومجتمعات الراين ازدهرت نتيجة امتداد المؤسسات النابليونية بشكل غير معوِّق. أما كلما اتجهنا إلى الشرق (في أوربا) حيث الصناعة أقل تطورا، فإن الحصار القاري - بمنعه بيع منتجات الإقليم لبريطانيا - كان عبئاً أدى إلى زيادة الاستياء. وبطبيعة الحال، كان هذا أكثر ما يكون وضوحاً على نحو خاص في روسيا.

وكانت نقطة الضعف الأساسية في الحصار القاري (الذي فرضه نابليون) هي أنه كان معاكسا للرغبة البشرية الطبيعية في طرق كل الأبواب المؤدية إلى الكسب. لقد كانت موانئ أوربا ومدنها الساحلية غاصة بأناس كان الواحد منهم راغباً في المخاطرة بحياته لتهريب البضائع البريطانية إلى القارة، فقد أصبحت هذه البضائع جذابة بسبب منعها، وكان أصحاب الصناعات داخل القارة الذين كانوا يجدون لبضائعهم أسواقاً أجنبية غير راضين بإجبارهم على التخلي عن الأسواق البريطانية. وأدى استياء الأسر التجارية الكبيرة في هولندا إلى حدٍ دفع الملك لويس بونابرت إلى الكتابة للقيصر الروسي إسكندر متجاوزاً الحد في انتقاد نابليون بمرارة لا ترحم(3).

وفي مواجهة المعارضة المتزايدة استخدم نابليون 000.002 دار جمارك وآلافاً من رجال الشرطة السرية أو المعروفين، وما لا يُحصى من الجنود لكشف أي خرق للحصار، والقبض على من يرتكب هذه المخالفة وعقابه ومصادرة البضائع المهربة. وفي سنة 2181 أصدرت محكمة الجمارك في هامبورج في ظرف ثمانية عشر يوماً، 721 حكماً كان بعضها بالإعدام، إلا أن الحكم بالإعدام كان على أية حال نادراً، بل وحتى أحكام الإعدام التي صدرت لم تكن تُنفَّذ. وكانت البضائع المصادرة تباع للخزانة الفرنسية، وكان بعضها يُحرق علناً مما كان ينفّر كل المشاهدين تقريبا ويسبّب استياءهم.

ولتخفيف العداء على نحو ما، ولزيادة الدخل ولسد العجز، بدأ نابليون في سنة 9081 في بيع التراخيص، وعادة ما كان الحصول على الترخيص مقابل ألف فرنك - وذلك لاستيراد البضائع البريطانية التي يثبت ضرورتها للصناعة الفرنسية أو ضرورتها لرفع الروح المعنوية للفرنسيين، أو تصدير بضائع إلى بريطانيا مقابل البن والسكر والذهب. ورغم أن نابليون بدأ رسمياً في إصدار هذه التراخيص علناً منذ سنة 9081 إلاَّ أنه فيما يُقال كان يصدرها قبل ذلك بمدة طويلة، وكانت بريطانيا قد سبق لها أن أصدرت تراخيص مشابهة - 643،44 منها بين 7081 و 2181 - لإلغاء الحظر على بضائعها(4). إن نابليون - بالمقارنة - لم يُصدر سوى 494 ترخيصاً بحلول 52 نوفمبر سنة 1181(5)، ومع هذا فإن إسكندر أشار إلى أنه بينما يطالب نابليون روسيا بحظر دخول البضائع البريطانية حظراً تاماً فإنه - أي نابليون يتغاضى عن دخولها إلى فرنسا.

تأثير النظام

باختصار فإن الحصار القاري الذي فرضه نابليون كان رغم تدني جماهيريته بشكل واسع، ورغم الصعوبات والأخطاء التي قامت في سبيله - يبدو ناجحاً في سنة 0181. لقد أصبحت إنجلترا على حافة الإفلاس، بل وعلى حافة الثورة المطالبة بالسلام مع فرنسا، وكانت الدول المتحالفة مع فرنسا متذمرة لكنها كانت خاضعة مطيعة، وكانت فرنسا رغم الاستنزاف المالي والبشري الذي سبَّبته الحرب الأيبيرية، مزدهرة اقتصاديا ربما كما لم تكن في أي وقت آخر مضى. ولم يكن لدى الفرنسي سوى القليل من الحرية، لكن كان لديه فرنكاته، ونصيبه من عظمة فرنسا المنتصرة، وإمبراطورها الذي لا نظير له.

المصادر


قراءات أخرى

  • Charles Breunig: The Age of Revolution and Reaction, Chapter 2

وصلات خارجية