الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية


الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية ܥܕܬܐ ܣܘܪܝܝܬܐ ܬܪܝܨܬ ܫܘܒܚܐ هي كنيسة أنطاكيَّة أرثوذوكسية مشرقية، تتمركز في منطقة الشرق الأوسط وينتشر أفرادها في مختلف بقاع العالم ، وهي كنيسة مستقلة. مرتبطة بباقي الكنائس الأرثوذكسية بوحدة الإيمان والأسرار والتقليد الكنسي.تمتد ولاية البطريركية الأنطاكية إلى سورية ولبنان والعراق والكويت وتركيا و الهند وإيران والجزيرة العربية وأمريكا الشمالية و أمريكا الجنوبية والوسطى واستراليا ونيوزيلندا [1] . لغة الكنيسة الرسمية هي السريانية وتستخدم الكتابة السريانية في مخطوطاتها الدينية . تتشارك هذه الكنيسة عقيدتها مع كل من الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية و الكنيسة الأرمنية الأرثوذوكسية و الكنيسة الأثيوبية . يرجع جذور هذه الكنيسة إلى بدايات المسيحية وتعتبر الكنيسة نفسها أحد أقدم الكنائس وإن تسمية او مصطلح مسيحي أطلقت لأول مرة على تلاميذ المسيح من قبل هذه الكنيسة في أنطاكية [2].

شعار الكنيسة السريانية الارثوذكسية

لأسباب وتطورات سياسية نتجت عن إنقسام الإمبراطورية الرومانية إلى الإمبراطورية الرومانية الشرقية و الإمبراطورية الرومانية الغربية إنقسمت الكنيسة المسيحية بدورها إلى كنيسة شرقية و غربية وتمركزت الغربية في روما وحدثت إنشقاقات فيها لاحقا بظهور الپروتستانتية بينما تمحور الكنيسة الشرقية حول الإمبراطورية البيزنطية الشرقية وعاصمتها القسطنطينية [3], وإنقسمت الكنيسة الشرقية بدورها إلى العديد من الكنائس منها:

كنائس ذات تراث سرياني
مخطوطة سريانية من القرن11


إضطر بطاركة الكنيسة نتيجة إضطرابات وعنف حدثت اثناء تلك الفترة التاريخية إلى الخروج من مركزهم في أنطاكية في عام 518 وإستقروا في دير الزعفران الواقعة في ماردين بتركيا وفي فترة الحرب العالمية الأولى إضطرت الكنيسة لنقل مركزها إلى حمص في سوريا واخيرا إلى دمشق في عام 1957 [5]. تفرع عن السريان الأرثوذكس في أواسط القرن 17 السريان الكاثوليك و بهذه تصبح الكنيسة السريانية اليوم بنظر السريان تشمل على سبع كنائس وهي: السريانية الأرثوذكسية الأم ، النسطورية ، الكلدانية ، الروم الأرثوذكس ، الموارنة ، الروم الكاثوليك ، السريان الكاثوليك [6].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

جذور مصطلح السريانية

 
منحوتة سريانية من دولة آرامية قديمة في سهل البقاع و جدل مستمر حول كون السريانية مصطلح ديني ام تعبير عن أقلية قومية

السريان الأرثوذكس هم طائفة مسيحية شرقية عريقة ترجع جذورها إلى رسل السيد المسيح الاوائل ، فسلالة بطاركة هذه الطائفة تبدا من القديس بطرس كبير تلامذة السيد المسيح ، و اسم السريان بمعنى اوسع يشمل معظم المسيحيين في بلاد الشام وبلاد الرافدين بغض النظر عن عقائدهم المذهبية ، فالروم الأرثوذكس مثلا يسمون ايضا بالسريان الملكيين وذلك لانهم اثروا اتباع مذهب الملك البيزنطي مارقيانوس عقب مجمع خلقيدونية عام451 م ، وكذلك الموارنة الكاثوليك تسمى كنيستهم بالكنيسة السريانية المارونية وكذلك الكلدان الكاثوليك وهكذا بالنسبة لبقية كنائس المنطقة عدا كنيستي الارمن الأرثوذكس و الارمن الكاثوليك فهم أرمن بطبيعة الحال ، فالسريان إذن هم سكان البلاد الاصليين واحفاد بناة حضارات سوريا المتعاقبة قبل قدوم الفتح العربي الإسلامي .

هناك العديد من الفرضيات حول منشأ كلمة سرياني او سريان فيعتقد البعض ان السريانيون سميوا بهذا الاسم نسبة إلى سوريا وطنهم التاريخي Syria - Syrian فباللغة السريانية يقال للشخص السرياني ܣܘܪܝܝܐ Suryoyo اي سوري ، اما العرب فقد استخدموا ذات اللفظة التي استعملها البيزنطيين للدلالة على هذا الشعب وهي سريان syrian ولازالوا يستعملونها حتى اليوم . هناك بعض الآراء التي تشير إلى ان مصطلح سرياني او سريان قد يكون مصدره اسم الملك الفارسي قورش Cyrus الذي حكم من 559 إلى 529 قبل الميلاد والذي قام بغزو بابل وتحرير العبيد اليهود الذين رجعوا إلى ارض فلسطين ويستند هذه الفرضية بان كلمة سريان التي كانت مرادفة نوعا ما لفكرة تحرير شخص ما قد اطلقت على المسيحيين في أنطاكية لأول مرة ويعتمد هذه الفرضية على التقارب اللفظي بين الكلمات اللاتينية : الملك قورش (Cyrus) و مسيحي (Christian) و سوري (Syrian) وهذه مجرد فرضية لايمكن التاكد منها [7] .

بينما تشير فرضية اخرى إلى ان السريان و السريانية مصدرها الملك سورس الذي ظهر قبيل النبي موسى و هو من الجنس الآرامي و قد أستولى على بلاد سوريا و ما بين النهرين و بأسمه سميت هذه البلاد سوريا و أهلها سورسيين باللغة الآرامية ثم حذفت السين فصارت سوريين و كذلك سميت قيليقية نسبة إلى قيليقوس أخي سورس [8]. إستنادا إلى كتابات المؤرخ البير ابونا والمستندة بدورها على تفسير ايليا (974 - 1046) مطران نصيبين النسطوري هناك شبه إجماع على ان السريان هو اسم ديني للكنيسة الانطاكية ولايحمل اي مدلول سياسي او قومي ولم يكن يوما الاسم السرياني يشير إلى امة بل إلى الديانة المسيحية لا غير. [9].

إستنادا إلى المطران لويس ساكو أستاذ اللاهوت في جامعة بغداد و الحاصل على دكتوراة في التاريخ المسيحي القديم، أطلق مصطلح "السريان" و "السريانية" منذ القرنين الثاني و الثالث الميلاديّ على الآراميين و على الآرامية، أي على اللغة و الثقافة التي سادت المنطقة ، بينما بقي الاسم الآرامي القديم غير مستحبّ و مرتبطاً بالوثنية. و بالتالي، يحسب السريان أنفسهم ورثة الآراميين مباشرة. [10]. بينما يعتبر البعض كالتنظيم الآرامي الديمقراطي أن "السريان أقلية قومية تعيش في بلدان الشرق الاوسط، وخاصة قي لبنان وسوريا وتركيا والعراق و الأردن، دون أن يُعطى لها الحق في ممارسة وجودها القومي ودون ان تعترف دول العالم بحقوقها" [11]

كان للسريان دور كبير في النهضة الفكرية والعلمية الإسلامية وخاصة في عهد الخلافة العباسية حيث إشتهر الكتاب السريان بدقتهم في الترجمة وخاصة ترجمة فلسفة أرسطو وأفلاطون وكانت لهذه الترجمات اثر كبير في بدايات الفلسفة الإسلامية حيث بدأ وتحديدا في عصر المأمون العصر الذهبي للترجمة ونقل العلوم الإغريقية والهلنستية إلى العربية مما مهد لانتشار الفكر الفلسفي اليوناني بشكل كبير وكانت المدرسة الفلسفية الأكثر شيوعا خلال العصر الهلنستي هي المدرسة الإفلاطونية المحدثة Neoplatonism التي كان لها أكبر تأثير في الساحة الإسلامية في ذلك الوقت [12]. ويشار إلى وجود جالية كبيرة في الهند تتبع هذه الكنيسة منذ القرون الاولى للمسيحية تتبعها عقائديا وروحيا إلا انها تحتفظ باستقلالها الإداري إلى حد كبير .


تأسيس الكنيسة الأنطاكية

كانت مدينة أنطاكية أثناء حكم الامبراطورية الرومانية عاصمة سوريا وإحدى عواصم الامبراطورية الثلاث إضافة إلى روما والإسكندرية ، اعطتها هذه المكانة الافضلية لتكون عاصمة المسيحية في الشام واسيا فكان اسقفها هو الاب العام او البطريرك العام للمشرق اي ان سلطانه الروحي شمل جميع المسيحيين في تلك البقعة الجغرافية الواسعة على اختلاف قومياتهم واجناسهم ولغاتهم ، دخلت المسحية أنطاكية على يد اتباع المسيح الذين وصلوا إليها بعد ان تشتتوا في كل مكان بسبب الاضطهاد الذي اثاره عليهم اليهود حوالي سنة 34 م ، وزارها لاحفا الرسول بولس ومكث فيها سنة كاملة يعض ويبشر بالدين الجديد ثم جاء إليها ايضا بطرس الرسول حيث يعتقد انه اسس كرسيه الرسولي فيها سنة 37 م ، وفي هذه المدينة اطلق اسم مسيحيين على اتباع المسيح للمرة الاولى ، وفي القرن الخامس سيحصل الانشقاق في جسم الكنيسة إلا ان قادة الكنائس السورية سيحافظون على لقب بطريرك أنطاكية وذلك لإضفاء مظهر الشرعية في خلافة بطرس الرسول في قيادة الكنيسة ، ومنهم بطاركة السريان الأرثوذكس ولقب البطريرك الرسمي في هذه الكنيسة هو بطريرك انطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس .

 
دير الزعفران ويسمى ايضا دير مار حنانيا ، شيد في القرن الخامس للميلاد وكان مقر البطريركية السريانية بين القرن 13 والقرن 20 ، لايزال عامرا حتى اليوم ويقع في ولاية ماردين جنوب تركيا

عندما أنقسمت بلاد الرافدين إلى قسمين ، بين الأستعمارين الفارسي و الروماني تعرض السريان إلى ضغوطات سياسية وفكرية و بعد ان اصبحت المسيحية دين الدولة الرومانية وظهرت إلى السطح افكار نسطور والمتعلقة بالعذراء مريم بأنها ليست والدة الاله فقام الإمبراطور الروماني بطرد نسطور وملاحقة وتعذيب اتباعه حتى اضطر أغلبهم للهروب إلى فارس ، الدولة المعادية للرومان وإستمر هذا الحال حتى قدوم الإسلام في بداية القرن السابع الميلادي فعقدوا اتفاقات سلام مع الخلفاء الراشدين وبالأخص عمر بن الخطاب وحرروا عقوداً بينهم وبين السلطات الدينية للكنيسة السريانية الأرثوذكسية والنسطورية يتعهد العرب المسلمون بموجبها بحماية ديار السريانية الأرثوذكسية والنسطورية و السماح لهم بممارسة حقوقهم الدينية و الثقافية وبناء دور العبادة وإعطائهم حريتهم الاجتماعية لقاء دفع جزية سنوية معينة [13].

اثناء الحملات الصليبية ابيد عشرات الألاف من السريان وتم تدمير القرى السريانية كما عانى السريان من مذابح كبرى منذ بداية الحكم العثماني وحتى بداية الحرب العالمية الأولى وكان أعنفها وأقساها مذابح 1914 ـ 1919 حيث ذهب خلالها أكثر من 300.000 قتيل [14]. كانت أنطاكية مقر الكرسي السرياني الأنطاكي حتى سنة 518 م ، وبسبب الاضطهادات التي عانت منها هذه الكنيسة نقل مقر رئاستها إلى اديرة اعالي بلاد مابين النهرين واستقر في دير الزعفران في القرن الثالث عشر قرب ماردين شمال شرق سوريا وبقي هناك حتى عام 1933 م حيث انتقل إلى مدينة حمص السورية واخيرا انتهى به المطاف في دمشق العاصمة السورية عام 1959 .

الكنيسة عقب مجمع خلقيدونية

ظهرت في المسيحية خلال عصورها الأولى آراء متباينة في العقيدة المسيحية فذهب البعض إلى ان الرب واحد في جوهره مثلث الأقانيم (الآب والابن والروح القدس إله واحد) وذهب البعض الآخر إلى ان إنكار لاهوت المسيح وأنه لم يكن إلهاً بل هو مجرد إنسان مخلوق وتم إطلاق مصطلح الهرطقة على كل ماإعتبره الأكثرية خروجا عن ماإعتبرته "تفاسير وتأويلات غير صحيحة لمفهوم آيات الكتاب المقدس فكان يعقد بين الحين والآخر اجتماعات تُعرف باسم المجامع لبحث هذه الهرطقات وإصدار الحكم بصددها. [15].

عقد في عام 449 المجمع الرابع او ماسمي مجمع أفسس الثاني الذي تم رفض قراراته من قبل بابا روما ودعى الإمبراطور مرقيانوس والإمبراطورة بولخيريا لانعقاد هذا المجمع بناء على طلب أسقف روما فتم عقد مجمع خلقيدونية في مدينة خلقيدونية سنة 451 وحضره 330 أسقفاً (في رواية) و600 أسقف في روايةأخرى. [16]. يعتبر المجمع الرابع ومجمع خلقدونية من اكثر المجامع المثيرة للجدل فقد ذهب البعض إلى ان أوطاخي قد "دلّس به وخدع آباء المجمع الذين أقرّوا بأرثوذكسيته، وهذه الكنائس هي التي رفضت لاحقاً مجمع خلقيدونية وإن كان آباؤها قد قاموا في ذلك المجمع (خلقيدونية) بالحكم بهرطقة أوطاخي وحرموه، أما الكنائس التي اعترفت بخلقيدونية فتطلق على مجمع إفسس الثاني وترفض كامل نتائجه وتعدّ مجمع خلقيدونية المجمع المسكوني الرابع [17]. وقد أدى نتائج مجمع خلقيدونية إلى انفصال تدريجي لكنائس مصر والحبشة وسوريا وأرمينيا [18]

بعد انقضاء مجمع خلقيدونية اثار الاباطرة البيزنطيين اضهادات عنيفة ضد كل من رفض صورة إيمان ذلك المجمع وكأنه يرفض الخضوع للامبراطور نفسه إذاما رفضها وتلك الصورة تقول أن للمسيح طبيعتان إلهية وإنسانية، بلا اختلاط ولا تغيير، وبلا انقسام ولا انفصال. وصورة الإيمان هذه تشبه في جوهرها إيمان رافضي مجمع خلقيدونية من السريان الأرثوذكس وغيرهم ولكن مسألة الخلاف بالدرجة الأولى كانت مسألة صيغة، إذ إنّ اللاخلقيدونييّن يكتفون بعبارة "طبيعة" كما استعملها كيرلس الأول (القرن الخامس) ، ويرفضون الصيغة الخلقيدونيّة (طبيعتان). ولكن كما ذكرنا سابقا كانت كل تلك التهم والاختلافات اللاهوتية غطاءا لفرض سيطرة المحتل البيزنطي ، والذي اذاق ابناء الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية صنوف التعذيب الذي طال حتى كبار رجال الدين عندهم فقتل البعض ونفي البعض الاخر وتشرد الكثيرين منهم في كل مكان ولم يبق لتلك الكنيسة عام 544 م سوى ثلاثة مطارنة ( أساقفة ) .

وفي هذه الفترة العصيبة من تاريخ تلك الكنيسة ظهر يعقوب البرادعي في ساحة نضالها من أجل القاء ، حيث توجه البرادعي إلى القسطنطينية للقاء الملكة ثيودورة والتي كانت تتعاطف مع اللاخلقيدونين في ظروفهم القاسية التي كانوا يعيشونها ، ويعتقد بأن تلك الملكة ذات أصول سريانية من مدينة منبج في سوريا ، وبرعاية الملكة ثيودورة رسم يعقوب البرادعي مطرانا عاما للسريان على يد ثيودوسيوس بطريرك الإسكندرية الذي كان منفيا في القسطنطينية ، وابتدأ البرادعي بعد نيله لصفة شرعية بإحياء الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية واقام لها من جديد عشرات المطارنة ومئات الكهنة والشمامسة ، وتوفي عام 578 م ، وتمكنت كنيسة السريان في تلك الفترة من الصمود امام عواصف الاضطهادات بفضله لذلك أطلق البيزنطيون في مجمعهم السابع في القرن الثامن اسم اليعاقبة على السريان الأرثوذكس نسبة إلى يعقوب البرادعي ، وغايتهم من هذا إثبات ان البرادعي هو موجد هذه الكنيسة ، بينما يرفض اتباع الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية هذه التسمية بشكل قاطع وحجتهم بهذا أنهم لاينتمون لاي اب من اباء الكنيسة بل للمسيح ولأن تاريخهم بدأ مع تأسيس بطرس الرسول لكرسي أنطاكية فكان بحسب اعتقادهم أول بطاركتهم ، كما ترفض هذه الكنيسة أيضا باقي التسميات الغريبة التي نعتت بها كالموتوفيزيقية و الأوطاخية لأن هاتان البدعتان تخالفان إيمانها وهي تنبذ أوطاخي وتعتبره من الهراطقة . كان أوطاخي والذي سمي تيار الموتوفيزيقية نسبة اليه رئيس أحد الأديرة قرب القسطنطينية وكان من المعارضين لفكرة نسطور وكان من الداعين إلى "طبيعة واحدة إلهية في المسيح استحالت إليها الطبيعة البشرية فاختلطتا وامتزجتا حتى تبلبلت خواصهما" [19] .

بسبب الاختلاف على طبيعة المسيح إنقسمت الكنيسة المسيحية الموحدة إلى كنيسة شرقية و كنيسة غربية ، فالشرق يقول بطبيعة واحدة والغرب يقول بطبيعتين كاملتين إلهية وانسانية و كنيسة أنطاكية (الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية) بدورها تأثرت بهذا الانشقاق فراح قسم مع الشرق هم السريان الأرثوذكس وقسم مع الغرب هم الموارنة نسبة إلى رهبان دير مار مارون في افاميا زعماء الاتجاه الخلقيدوني العقيدة [20].

إيمان الكنيسة

تعترف الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية بالمجامع المسكونية الثلاث ، مجمع نيقية 325 م و مجمع القسطنطينية 381 م و مجمع أفسس 431 م ، وتقر بكل مااقره الاباء الذين عقدوا تلك المجامع و تعتبر مجمع أفسس هو المجمع المسكوني الاخير اي انها لاتعترف بشرعية المجامع اللاحقة ولاسيما مجمع خلقيدونية 451 م والذي اتهمت بعده بالهرطقة المونوفيزية والابتداع في الإيمان وكان ذلك لاغراض سياسية صرفة ، فالمحتل البيزنطي اراد فرض سلطته الزمنية والروحية على السوريين والأقباط ( سكان مصر الأصليين ) وهذا مارفضه وبشدة القسم الاكبر من الشعبين مما ادى إلى انقسام الكنيسة في القرن الخامس للميلاد ، وكافحت الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية على مر السنين للحفاظ على صورة معتقدها القائل بأن السيد المسيح كامِلاً في لاهوته، وكامِلاً في ناسوته، وهاتان الطبيعتان مُتَّحِدَتان في طبيعة واحدة هي "طبيعة تَجَسُّد الكلمة"، فالسريان الأرثوذكس إذن، يؤمنون بطبيعتان: "لاهوتية" و"ناسوتية"، وهما مُتَّحِدَتان بغير إختلاطٍ ولا إمتزاجٍ، ولا تغيير"وهاتان الطبيعتان "لم يَفْتَرِقا لحظة واحدة ولا طرفة عين". وتتشارك هذه الكنيسة عقيدتها مع كل من الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية و الكنيسةالأرمنية الأرثوذوكسية و الكنيسة الأثيوبية ، وهذه الكنائس تسمى الكنائس الأرثوذوكسية الشرقية أو الكنائس اللاخلقيدونية .

لغة الكنيسة السريانية

 
صلاة الابانا التي علمها المسيح لاتباعه مكتوبة باللغة السريانية

في فجر المسيحية كانت اللغة السريانية واسعة الانتشار في المشرق القديم بل كانت لغة دولية قبل مجئ المسيح بمئات السنين تستعمل كالإنجليزية في أيامنا هذه للمعاملات الدبلوماسية بين الملوك وكلغة عملية بين التجار وفي مجالات اخرى ، وكانت لغة سوريا الداخلية ويتكلمها أبناء أنطاكية إضافة للغة اليونانية ( فقد كانت أنطاكية مدينة هيلينستية ). وايضا كانت اللغة التي يتكلمها اليهود حيث حلت محل لغتهم العبرية التي نسوها تدريجيا اثناء فترة سبيهم إلى بابل في القرن الخامس قبل الميلاد واقتصر استعمالهم للعبرية فقط في الصلاة وفي قراءة كتبهم المقدسة ، ومن المعروف ان السيد المسيح تكلم السريانية ، فقد كانت اللغة الدارجة الاستعمال في الحياة اليومية بين اليهود .

كذلك استعملها السريان كلغة طقسية في الكنيسة منذ بداية المسيحية ، كما كتب بها اباء الكنيسة السريانية مؤلفاتهم العلمية والدينية كما قاموا بنقل الكتاب المقدس إلى السريانية بنقول مشهورة كالبسيطة ، وايضا قاموا بترجمته للغات عديدة كالعرببة والفارسية والمليالم لغة جنوبي الهند ، ولايزال ابناء هذه الكنيسة في كل مكان يقيمون طقوس صلواتهم باللغة السريانية إلى جانب لغاتهم المحلية الوطنية .

يعتقد بعض المختصين في اللغة السريانية إن المبتدء في ذلك اللغة من الأفضل له ان يبدأ بكلمات ذات معاني وبعد شهرين يمكن ان يبدأ بتحليل الكلمات إلى المقاطع [21] وهناك تشابه بين العربية و السريانية ومنها على سبيل المثال [22]:

  • ܐܒܐ آبو بالسريانيه = أب بالعربية
  • ܐܬܪܚܡ أتراحام بالسريانية = يترحم بالعربية
  • ܙܪܥܐ زروعو بالسريانية = زراعة بالعربية

للإطلاع على قائمة الكلمات المتشابة بين السريانية و العربية يمكنك الإطلاع على مقالة أثر اللغه السريانيه في اللغه العربيه [23].

حاضر الكنيسة

على طول تاريخها الطويل عانت هذه الكنيسة في سبيل إيمانها الامرين حتى ان بطريركها السابق إغناطيوس يعقوب الثالث في إحدى مؤلفاته اعتبر وجودها واستمرارها حتى اليوم معجزة ، وفي اثناء الحرب العالمية الأولى قتل وذبح من السريان قرابة النصف مليون بحسب المصادر السريانية والغربية وذلك على يد الأتراك العثمانيين والمليشيات الكردية في منطقة طور عبدين في جنوب تركيا ، تزامنت تلك المذابح مع مذابح الأرمن التي قتل فيها المليون ونصف المليون أرمني على يد الأتراك و الأكراد أيضا ، قدم المؤرخون اراء عديدة بتحديد اسباب تلك المذابح ولكن السبب الرئيسي والمعلن كان القضاء على الكفار من غير المسلمين واعتبارهم بحكم الهوية الدينية عملاء للدول الغربية ، مع العلم بأن السريان كانوا يعيشون عيشة القرويين البسطاء ولم تتمكن اي دولة غربية من فرض الوصاية عليهم فهم يعتبرون أنفسهم كنيسة مستقلة إداريا خاضعة لسلطة بطريركها الأنطاكي الشرعي .

يذكر التاريخ موقف العرب المشرف والذين احتضنوا المسيحيين الهاربين من هول جلاديهم وقدموا لهم المأوى والمساعدة اللازمة لحين انتهاء تلك المحنة ، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على معرفة العرب بزيف افتراءات التهم التركية الموجهة للمسيحيين فغاية الأتراك كانت أخلاء شمال سوريا من سكانه الأصليين لضمه بشكل نهائي لتركيا وهذا ماتحقق لهم عقب اتفاقية سايكس بيكو وغيرها من اتفاقيات التقسيم حيث نجحوا يالاستيلاء على ولايات ماردين ديار بكر الرها وغيرها .

 
دير مار أفرام السرياني في معرة صيدنايا-دمشق ، وهو ايضا معهد لاهوتي لتخريج الرهبان والكهنة، وفي الصورة ايضا البطريرك إغناطيوس زكا الأول عيواص مع عدد من المطارنة السريان

يبلغ عدد ابناء الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية اليوم اكثر من مليوني نسمة معظمهم هم من سكان الهند الذين ظلوا متمسكين بالبطريركية السريانية منذ دخولهم في المسيحية في القرون الميلادية الاولى ، كما ينتشر السريان حالهم حال غيرهم من مسيحيي الشرق في بلاد الاغتراب إضافة إلى بقاء قسم منهم في ارض الوطن في الشام و العراق وجنوب تركيا .

وفي الكنيسة اليوم اكثر من اربعين ابرشية ويرأس كلا من هذه الابرشيات مطران يدير امورها الروحية والاجتماعية ، وكان لهذه الكنيسة فيما مضا مئات الأديرة العامرة بقي منهم اليوم عددا قليلا ، اشهرها دير مار متي قرب الموصل في العراق ، و دير مار كبرئيل في طور عبدين جنوب تركيا ، و دير الزعفران خارج ماردين في تركيا أيضا ، وأخيرا دير مار مرقس في القدس والذي يعتقد ان فيه أقام السيد المسيح عشاءه الأخير ، ويوجد للكنيسة معاهد لاهوتية عدة أهمها معهد مار افرام اللاهوتي في دمشق - معرة صيدنايا الذي دشنه البطريرك مار إغناطيوس زكا الأول عيواص عام 1996 م ، وتقوم هذه المعاهد بإمداد الكنيسة بالخدام والكهنة والرهبان والراهبات .

الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية هي عضو مؤسس في مجلس كنائس الشرق الأوسط ، وقد انضمت إلى مجلس الكنائس العالمي عام 1960 م وتشترك باستمرار في الحوارات اللاهوتية على كل المستويات ، ونجح بطاركتها في القرن العشرين من إقامة أسس علاقات طيبة وأخوية مع باقي الكنائس المسيحية الأخرى الشرقية منها والغربية ، كما أنها تلعب دورا هاما في الحوار المسيحي الإسلامي . من كبار اباء و قديسين هذه الكنيسة ، مار إغناطيوس الأنطاكي ، مار أفرام السرياني ، مار كبرئيل ، مار ميخائيل الكبير ، العلامة ابن العبري وغيرهم .

يربو عدد ابناء الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية اليوم على 2 مليون نسمة الأغلبية منهم في الهند و البقية منتشرون في سوريا, لبنان ، العراق ، الأردن ، الأراضي الفلسطينية المحتلة ، تركيا ، مصر واوروبا وأمريكا الشمالية و أمريكا الجنوبية والوسطى واستراليا ونيوزيلندا وتتالف الكنيسة في الوقت الحالي من 24أبرشية عدا أبرشياتها في الهند [24] .


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قائمة بأسماء البطاركة السريان في أنطاكية

انظر : قائمة البطاركة السريان في انطاكية

البطاركة السريان في العصر الحديث

البطاركة السريان الأرثوذوكس في العصر الحديث
الإسم الصورة
نبذة
إغناطيوس بطرس الرابع -- البطريرك من 1872 - 1894
إغناطيوس عبد المسيح الثاني -- البطريرك من ( 1895-1905 ) عزل عام 1905 م بسبب مرضه.
إغناطيوس عبد الله الثاني -- البطريرك من ( 1906-1915 )
إغناطيوس إلياس الثالث   طالب المجتمع الدولي بضمان المستقبل القومي والديني للسريان حيث أوفد في 2 فبراير 1920 المطران ( أفرام برصوم) رئيس مطرانية سوريا، على راس وفد خاص يمثل (السريان) إلى (مؤتمر السلام) في كل من لندن وباريس ولوزان و جنيف، ليعرض عليه مذكرة من ست نقاط، تتضمن مطالب وحقوق السريان في بلاد ما بين النهرين [25]
إغناطيوس أفرام الأول برصوم   البطريرك من ( 1933-1957 )
إغناطيوس يعقوب الثالث   البطريرك من ( 1957-1980 )
إغناطيوس زكا الأول عيواص   البطريرك الحالي ، رقم 122 حيث يستثنى من التعداد البطاركة الذين خرجوا عن عقيدة هذه الكنيسة .

مصادر

  • تاريخ السريان الارثوذكس [26]
  • مجامع كنسية [27]

[28]

[29]

[30]

[31]

[32]

[33]

[34]

[35]

[36]

[37]

[38]

[39]

[40]

[41]

[42]

[43]

[44]

[45]

[46]

[47]


[48]

مواقع إلكترونية سريانية

[49]

الكنائس الأرثوذكسية المشرقية   تحرير
  كنيسة الإسكندرية والكرازة المرقسية للأقباط الأرثوذكس - كنيسة انطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس - الكنيسة الأرمنية الرسولية الأرثوذكسية - كنيسة التوحيد الأرثوذكسية الإثيوبية - كنيسة التوحيد الأرثوذكسية الإريترية - الكنيسة الهندية الأرثوذكسية
كنائس شبه مستقلة

كنيسة مالانكارا اليعقوبية السريانية الأرثوذكسية - الكنيسة الرسولية الأرمنية بطريركية كيليكية - الكنيسة الرسولية الأرمنية بطريركية القسطنطينية - الكنيسة الرسولية الأرمنية بطريركية أورشليم - الكنيسة البريطانية الأرثوذكسية - الكنيسة الفرنسية القبطية الأرثوذكسية