شتتل

(تم التحويل من Shtetl)

الشتتل Shtetl صيغة تصغير يديشية مشتقة من كلمة «شتوت» ومعناها «مدينة». والكلمة عبرية في الأصل وتعني «شتلة» ويُقصَد بها زرع أو شتل كيان ما داخل التربة. والشتتل تَجمُّع سكاني يهودي (يبلغ عدد سكانه ما بين ألف وعشرين ألفاً) استوطن فيه اليهود ممثلين للإقطاع البولندي الاستيطاني في أوكرانيا، ووكلاء للنبلاء البولنديين (شلاختا)، وجامعي ضرائب، أي أنهم كانوا يشكلون جماعة وظيفية وسيطة تقوم بعملية الاستغلال لصالح النبلاء الغائبين الذين كان كل همهم زيادة دخلهم. ورغم أن الشتتل أحد الأشكال الجيتوية، فإنه يختلف عن الجيتو في كثير من النواحي. فالجيتو مجرد شارع أو حي في مدينة، أما الشتتل فهو نوع من المستوطنات ارتبط بالإقطاع الاستيطاني البولندي في أوكرانيا بعد اتحاد مملكة بولندا وليتوانيا (في القرن السادس عشر) وظهور نظام الأرندا وزيادة المدن التابعة للنبلاء، الأمر الذي شجع أعضاء الجماعة على هجرة المدن الملكية التي كانت تتحكم فيها البلدية والمصالح التجارية البولندية والكنسية.

Lakhva in 1926 (then Łachwa, Poland), ulica Lubaczyńska (Lubaczynska Street)

والشتتل كان مدينة ريفية الطابع مستقلة ذاتياً، معظم سكانه من اليهود الذين جمعهم النبيل الإقطاعي ووطَّنهم فيه ليضطلعوا بمهمة الوكالة عنه في إدارة الضياع وجمع الضرائب. وكانت هذه المراكز شبه الريفية شبه الحضرية حلقة اتصال بين احتياجات المدن الكبيرة والريف. ولذا، كان الشتتل يقع في موقع إستراتيجي يوفر للفلاحين من ناحية سهولة الوصول إليه، ويوفر لليهود (من ناحية أخرى) العزلة وعدم الاختلاط مع بقية السكان، وكان القانون البولندي، بسبب الوضع المتفجر في أوكرانيا، يفرض على رب العائلة اليهودية أن يحتفظ ببنادق بعدد الذكور وبثلاث خرطوشات وثلاثة أرطال من البارود. أي أن الشتتل ترجمة معمارية لوضع الجماعة اليهودية في إطار الأرندا الزراعية الإقطاعية الاستيطانية. وكان هناك أسواق تباع أو تقايض فيها الأغنام والماشية جنباً إلى جنب مع البضائع المصنوعة في المدن ومنتجات الصناعات المنزلية الريفية. وكانت الشتتلات في الوقت نفسه المراكز التي يمارس فيها الحرفيون حرفهم من صانعي ومصلحي العجلات والعربات إلى الحدادين وصاغة الفضة والخياطين والذابحين الشرعيين والطحانين والخبازين وصانعي الشموع ومقطري الخمور. وكان هناك أيضاً كتبة الخطابات للأميين، ومعابد للمتدينين، وفنادق للمسافرين والصيارفة والوسطاء من جميع الأنواع.

وتدور الحياة في الشتتل حول المعبد اليهودي والمنزل اليهودي ثم السوق التي يلتقي فيها اليهود بالأغيار. وكانت تُوجَد في الشتتل أيضاً المدارس الدينية اليهودية، وكان هناك رواة للأقاصيص وشعراء شعبيون يتجولون من شتتل إلى آخر.

ونظراً لوجود أغلبية يهودية في الشتتل، فإنه حقق قدراً من الاستقلال الثقافي عن البيئة المحيطة به. ومع هذا، ونظراً لبعد الشتتلات عن المراكز الدينية اليهودية والمدارس التلمودية العليا، تأثر سكـان الشـتتل بالجو السـلافي المسـيحي المحيط بهم. وبعد تقسـيم بولندا، كانت معظم الشتتلات تُوجَد في منطقة الاستيطان في روسيا.

وقد وصف حاييم وايزمان حياة اليهود في الشتتل بأنها « كانت حياة غرباء بمعنى الكلمة عن حياة الأغيار وتفكيرهم وأحلامهم ودينهم وأعيادهم وحتى لغاتهم، فكانت تمر أيام يُستبعَد فيها عالم الأغيار حتى من وعينا [اليهودي] كما هو الحال يوم السبت وفي أعياد الربيع والخريف. وكان يفصلنا عن الفلاحين عالم كامل من الذكريات والتجارب ». ومع هذا، ورغم هذا البُعد الظاهري، فإن الشتتل جزء من التشكيل الحضاري السلافي، وذلك كما يتضح في الحركة الحسيدية التي يظن المرء لأول وهلة أنها مغرقة في اليهودية رغم أنها في واقع الأمر متأثرة بالحركات المسيحية الأرثوذكسية الروسية المعارضة للكنيسة (وخصوصاً جماعة الخليستي). وقد نشأت القيادات الصهيونية في جو الشتتل، كما أن كثيراً من وقائع وشخصيات وحوادث الأدب اليديشي مستقاة منه، كما أن فن مارك شاجال (الرسام الروسي الأصل الفرنسي الجنسية) وقصص بارنارد مالامود (القاص الأمريكي) تعالج موضوعات مأخوذة من عالم الشتتل.

ويرى الكاتب آرثر كوستلر أن أصول الشتتل خزرية وأنه، كمؤسسة فريدة، إحدى ثمرات الدياسبورا الخزرية، أي انتشار الخزر، فهو يشبه المدن التجارية في إمبراطورية الخزر. كما يرى كوستلر أن احتكار يهود الشتتل تجارة الخشب يذكرنا بأن الأخشاب كانت مادة البناء الأساسية عند الخزر وأحد صادراتهم الأساسية، وأن تَخصُّص يهود الشتتل في صنع العربات هو استمرار لعادات الخزر البدوية في الانتقال ونقل الخيام والبضائع. ومن الأعمال الأخرى التي كان يمارسها يهود الشتتل، ولا يمارسها يهود الجيتو، إدارة الفنادق وتشغيل مطاحن الدقيق وتجارة الفراء، وربما يعود هذا أيضاً إلى اختلاف أصول يهود الشتتل عن يهود جيتوات شرق أوربا.

ويجب أن يضاف إلى هذه الملامح المتميِّزة طراز الباجودان (من كلمة «الباجودا») الذي أقيمت وفقه أقدم المعابد اليهودية الخشبية في الشتتل والباقية حتى اليوم والتي يعود تاريخها إلى القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وهو طراز مختلف تماماً عن كل من طراز العمارة المحلية وطراز البناء المُستعمَل لدى اليهود الغربيين. كما تختلف الزخارف الداخلية لأقدم معابد الشتتل اختلافاً تاماً عن نمطها في الجيتو الغربي، فقد كانت جدران معبد الشتتل تُغطَّى بزخارف تشبه الزخارف العربية الإسلامية وتُصوَّر عليها الحيوانات التي تُبرز التأثير الفارسي الموجود في المشغولات الفنية للخزر المجريين.

ولا تخطئ العين أيضاً الأصل الشرقي للزي التقليدي اليهودي البولندي، فربما كان نمط القفطان الحريري الطويل تقليداً للسترة التي كان يرتديها النبيل البولندي، والتي كانت هي نفسها نسخة من الزي الرسمي للتتار في القبيلة الذهبية، ولكننا نعرف أن القفطان كان يُلبَس قبل ذلك بوقت طويل لدى بدو الإستبس. ويبدو أن القبعة (اليرملك) التي يرتديها اليهود الأرثوذكس تعود إلى غطاء الرأس الخاص بالشعوب التركية (مثل الأوزبكستانيين) الذين يلبسون قلنسوة ضيقة حتى اليوم. وكان يهود اليديشية يلبسون قبعة مستديرة متقنة موشاة الحواف بفراء الثعلب تُسمَّى «الإستريميل»، ويبدو أنها تعود إلى أصول خزرية. وكما سبق القول، فإن الاتجار في فراء الثعلب والمنك، الذي كان مزدهراً في إمبراطورية الخزر، أصبح بالفعل احتكاراً يهودياً آخر في بولندا. أما النساء فكن، حتى منتصف القرن التاسع عشر، يرتدين عمامة عالية بيضاء كانت نسخة طبق الأصل من الجولوك التي كانت نساء التركمان تلبسنها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الانهيار

 
Old Jewish cemetery in the shtetl of Medzhybizh, Ukraine.


قائمة الشتتلات

 
Map of the Pale of Settlement

انظر أيضاً

الهامش

وصلات خارجية