يحيى بن هذيل الأندلسي

أبو بكر يحيى بن هُذَيل بن عبد الملك بن هُذَيل بن إسماعيل بن نُويرة التَّميميُّ الأندلسيُّ (305 ـ 389هـ/917-999م) أديبٌ شاعرٌ فقيهٌ محدِّثٌ لغويٌّ، غلبَ عليه الشِّـعرُ فكان من أبرز شعراء قرطبة في عصره.

في نسبه خلافٌ، سوى اسمه واسم أبيه، وأتمُّ ما جاء مِنْ نَسَبِهِ مذكورٌ لدى ياقوت الحمويِ. وُلِدَ في قرطبة، وبها نشـأ، وكانت دارَ مقامه معظم حياته، طال عمـره، وكُفَّ بصره، حَظِيَ الفقهُ باهتمامه أوَّل حياته حتى لُقِّبَ بالفقيه، وكان راويةً للحديث، قدم إلى المشرق في أواسط المئة الرَّابعة، فسمع الحديثَ بمصرَ وبغدادَ ومكَّةَ، وذاع صيته حتَّى قيل إنَّه كان فقيهاً عالمـاً، حافظاً للمسـائل والأقضية، نبيلاً في الرَّأي، مُشَاوَراً في الأحكام، مُقَدَّماً فيمَنْ يُسْتَفْتى.

جمع إلى ذلك اهتماماً بالشِّعر منذ صغره. ذكرَ القاضي عياض أنَّه قال الشِّعر في المكتب فكان معلِّمُه يَعْجَبُ منه إلى أن دخل عليه يوماً رجلٌ من حكماء وقته فأخبره بخبره، فقال له: «أَرِنِيه، فقال: لا، ولكنْ تفرَّسه في صبياني»، فقال: «إنْ كان فهو ذلك …» فقال له: «أَجِزْ لسْتَ مِنَ الشِّعرِ ولا صَوغِهِ» فقال ابن هُذَيل سريعاً: «فَدَعْ مقالَ الشِّعر ولا تَبْغِه». شجَّعَهُ على قول الشِّعر ابن القوطية، وهو أحدُ أبرز الشُّيوخ الَّذين أخذ عنهم عِلْمَي الفقه واللُّغة، وله معه أخبارٌ طريفةٌ منها أنَّ ابنَ هُذَيل توجَّه يوماً إلى ضيعةٍ له بسـفح جبل قُرْطُبَةَ، فصادفَ ابنَ القُوطِيَّة صادراً عنها، وكانت له هناك ضيعةٌ أيضاً، فلما رآه ابن القوطية عرَّجَ عليه واستبشر بلقائه، فقال له ابنُ هُذَيل على البديهة مداعباً:

مِنْ أينَ أقبلْتَ يا مَنْ لا شبيهَ لهُ     ومَنْ هو الشَّمسُ والدُّنيا له فَلَكُ؟


فتبسَّمَ ابن القوطية، وأجابه:

مِنْ مَنْزِلٍ يُعْجِبُ النُّسَّاكَ خَلْوَتُهُ     وفيه سِتْرٌ على الفُتَّاكِ إنْ فَتَكُوا


قال ابن هُذَيل: «فما تمالكْتُ أنْ قبَّلْتُ يدَه إذ كان شيخي، ومجَّدْتُه، ودعوتُ له».

نظمَ ابنُ هُذَيل في الوصف والغزل والمديح والهجاء، غيرَ أنَّ الوصفَ استقلَّ بجزءٍ وافرٍ من شعره، ولاسيَّما وصف الطَّبيعة، ويشفُّ وصفه للطَّبيعة عن افتتانه بالرِّياض، وتبرز في روضيَّات ابن هُذَيل عنايتُه بالصُّور، ولاسيَّما التَّشبيهات، فهو بارعٌ في صناعتها، وقد روى ابن الكتاني بعضَ شعره في كتاب «التَّشبيهات»، ومن بديع شعره قوله يصف روضةً:

بمَحَلَّةٍ خضراءَ أَفْرَغَ حُلْيَهـا الـ     ذهبيَّ صاغَةُ قَطرِها المسكُوبِ
والرَّوضُ قد أَلِفَ النَّدى فكأنـَّـهُ عيـــنٌ توقَّفَ دمعُها لِرَقِيبِ
مُتخالِفُ الألوانِ يجمعُ شَـــملَهُ رِيحانُ؛ ريحُ صَباً وريحُ جَنوبِ
فكأنَّما الصَّفراءُ إِذ تُومي إلى الـ بيضــاءِ صَبٌّ جانحٌ لحبيبِ


أبرزُ ما يُلاحَظُ في روضيَّاتِه استحضارُه أجواءَ الغزل، واستعارتُه الصُّورَ الغزليَّةَ في وصف الرِّياض؛ يقول في قضبان روضةٍ حين هبوبِ الرِّياح عليها:

هَبَّتْ لنا ريحُ الصَّبا فَتَعانَقَـتْ     فَذَكَرْتُ جِيدَك في العِناقِ وجِيْدي
وإذا تَآلَفَ في أعاليهــا النَّدى مالَتْ بأعنـــاقٍ ولُطْفِ قُدودِ
وإذا الْتَقَتْ بالرِّيح لم تُبْصِرْ بها إلاَّ خُــدوداً تلتقي بِخُــدودِ
تِيجانُها طَلٌّ وفي أعنـــاقِها منــهُ نِظــامُ قَلائدٍ وعُقودِ
وتَجَلْبَبَتْ زَهَـراً فَخِلْـتُ بأنَّها فوقي نَثــائِرُ نـادِفٍ مَجْهودِ


يُذْكَرُ أنَّ الشاعر الرمادي المشهورَ اكتسب صناعةَ الأدبِ من ابن هُذَيل، إذ كان شـيخَهُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

  • أسامة اختيار. "ابن هُذَيل الأندلسيُّ (يحيى ـ)". الموسوعة العربية.


للاستزادة

ـ يحيى ابن هُذَيل، شعر يحيى بن هُذَيل القرطبيّ الأندلسيّ (منشـورات جامعة مؤتة، عمادة البحث العلمي، الكرك 1996م).