معركة ماراثون

معركة ماراثون من أهم المعارك التي حدثت في تاريخ الحضارة الغربيَّة، فهناك وفي سنة 490 ق.م قام جيش يوناني بقهر جيش الغزو الفارسي، وأنقذ اليونان من أن تصبح جزءًا من الإمبراطوريَّة الفارسية، وتقع الماراثون على بُعْد 40 كم شمال شرقي أثينا.

معركة ماراثون
الموقع
{{{place}}}

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خلفية

 
خريطة تبين العالم اليوناني في وقت المعركة

يقول هيرودوت: "في أثناء حكم دارا وخشيارشاي وأرتخشر لاقت بلاد اليونان من الأهوال ما لم تلقه في العشرين جيلاً السابقة على هذا العهد"(1) وكان لا بد أن يلقى أهلها جزاء نمائهم وتقدمهم. ذلك أن انتشارهم في كل مكان لا بد أن يؤدي عاجلاً أو آجلاً إلى قيام النزاع بينهم وبين إحدى الدول العظمى. وإذ كان اليونان يتخذون البحر مطية لهم، فقد أنشأوا فيه طريقاً تجارياً يمتد من شاطئ أسبانيا الشرقي غرباً إلى أقصى ثغور البحر الأسود شرقاً. وأخذ الطريق المائي الأوربي - الذي يخترق بلاد اليونان وإيطاليا وصقلية - ينافس الطريق الشرقي البري والبحري - الذي يخترق الهند وفارس وفينيقية - ويفوقه في الأهمية على مر الأيام، ونشأ من هذه المنافسة نزاع شديد لم يخمد أواره قط كان لا بد أن يؤدي إلى ما أدى إليه كل نزاع سابق في تاريخ البشر، ألا وهو الحرب السافرة التي لم تكن معارك لادى Lade، ومرثون، وبلاتية، وهيميرا Hymera، وميكالي Mycale، ويوريمدون Eurymedon، وغرانيقوس، وإسوس، وأربيلا، وكاني، وزاما إلا حادثات منها صغيرة. وانتصر الأوربيون على الشرقيون في هذا الصراع لأسباب عدة، منها أن النقل البحري أقل نفقة من النقل البري، ومنها أن من القوانين التي تكاد تتحكم في التاريخ أن الشمال الخشن ذا النزعة الحربية، ينتصر دائماً على الجنوب اللين السهل مبدع الفنون.

في عام 512 ق.م. عبر دارا الأول ملك الفرس مضيق البسفور وغزا سكوذيا، ثم زحف غرباً وفتح تراقية ومقدونية، ولم يعد إلى عواصم ملكه إلا بعد أن وسع رقعة إمبراطوريته حتى شملت فارس، وبلاد الأفغان، وشمالي الهند، والتركستان، وأرض الجزيرة، وشمالي بلاد العرب، ومصر، وقبرص، وفلسطين، وسوريا، وآسية الصغرى، وشرقي بحر إيجة وتراقية، ومقدونية. وكانت نتيجة هذه الفتوح أن أعظم الإمبراطوريات التي شهدها العالم حتى ذلك الوقت قد وسعت رقعتها أكثر مما يجب عليها أن توسعها، حتى ضمت إليها فاتحيها في المستقبل وأيقظتهم من سباتهم، ولم يبق من الأمم الكبرى في خارج هذا النظام الشامل من نظم الحكم والتجارة إلا أمة واحدة هي أمة اليونان، التي لم يكد دارا يسمع شيئاً عنها خارج أيونيا قبل عام 510 ق.م؛ وقد سأل مرة عن "الأثينيين - من هم(2)؟". وحدث في عام 605 أن قامت ثورة في أثينة انتهت بخلع الطاغية هيباس، ففر إلى المرزبان الفارسي في سرديس وتوسل إليه أن يعينه على استرداد سلطانه، وعرض عليه إذا استرده أن يتولى حكم أتكا من قبل الفرس.

وكان ذلك إغراءً قوياً زاده قوة تحرش مؤقت. ذلك أن المدن اليونانية التي ظلت خاضعة لسلطان الفرس نحو خمسين عاماً ثارت فجأة على ولاتها من قبل الفرس، وطردتهم منها وأعلنت استقلالها. وذهب أرستجراس الميليتي إلى إسبارطة يستمد منها العون، ولكنه لم يفلح في بغيته، فجاء إلى أثينة، وهي المدينة الأصلية التي نشأ منها كثير من المدن الأيونية، ومازال يلح عليها حتى أقنعها بأن ترسل عمارة بحرية مؤلفة من عشرين سفينة لمساعدة الثوار. وكان الأيونيون في هذه الأثناء يعملون بعنف وبغير نظام هما من خصائص اليونان في كل زمان ومكان، فكانت كل مدينة ثائرة تجيش جيوشها ولكنها تستبقيا تحت قيادة مستقلة. وزحف الجيش الميليتي، ولدى قيادته من الشجاعة أكثر مما لديها من الحكمة، حتى وصل إلى سرديس، وأحرق المدينة العظيمة ودكها دكاً. ونظم الحلف الأيوني أسطولاً متحداً، ولكن سفن ساموس عقدت صلحاً سرياً منفرداً مع المرزبان الفارسي، فلما أن التقت العمارة البحرية الفارسية بالعمارة الأيونية عند لادى في عام 494، ودارت بينهما معركة من أشد المعارك البحرية في التاريخ، انسحبت سفن ساموس الخمسون دون أن تشترك في القتال، وحذت حذوها كثير من أقسام الأسطول الأيوني(3). وهزم الأيونيون هزيمة منكرة، ولم تفق الحضارة الأيونية بعدئذ إفاقة كاملة من هذه الكارثة المادية والروحية. وحاصر الفرس ميليتس، واستولوا عليها، وقتلوا رجالها، وسبوا نساءها وأطفالها، وأعملوا فيها السلب والنهب حتى صارت منذ ذلك اليوم بلدة قليلة الشأن. وبسطو سلطانهم مرة أخرى على أيونيا، وغضب دارا لتدخل أثينة في شئون ملكه، فصمم على فتح بلاد اليونان، وألفت أثينة الصغيرة نفسها، جزاء لها على مساعدتها الكريمة لبناتها من المدن الأيونية، وجهاً لوجه أمام إمبراطورية أكبر مائة مرة من أتكا.


أسباب المعركة

في عام 507 ق.م طلب شعب أثينا من الملك داريوس الأول ملك فارس (إيران حاليًا) أن يتحالف معهم ضد أسبرطة التي كانت دولة قويَّة باليونان الجنوبيَّة، ومن أجل تشكيل التّحالف قام ممثلو أثينا بتقديم الوعود بطاعة الشعب لداريوس. وقامت حكومة أثينا فيما بعد برفض الاتفاق، ولكنَّ داريوس استمر في اعتبار نفسه الحاكم الحقيقي لأثينا.

وفي أوائل سنة 499 ق.م، تمرّد اليونانيون الذين كانوا تحت الحكم الفارسي في آسيا الصُّغرى (تركيا الآن) ضد داريوس، وأرسل شعب أثينا الجنود وعشرين سفينة لمساعدة المتمردين، ثم قامت القوات اليونانية بمهاجمة سارديس وإحراقها حيث كانت المدينة التي كان يتَّخذها داريوس عاصمة له بآسيا الصُّغرى، فأقسم داريوس أن ينتقم من شعب أثينا بأن يقهر أثينا ويحرقها.

 
داريوش الأول من فارس، كما تصوره الرسام اليوناني، في القرن 4 ق.م.

المناوشات

 
A picture reconstructing the beached Persian ships at Marathon prior to the battle.

وفي عام 491 خاض أسطول فارسي قوامه ستمائة سفينة بقيادة داتيس Datis عباب بحر إيجة من جزيرة ساموس، ووقف في طريقه ليخضع جزائر سكلديس، ووصل إلى ساحل عوبية يحمل مائتي ألف محارب. واستسلمت عوبية بعد مقاومة قصيرة عبر الفرس بعدها الخليج الذي يفصلها عن أتكا، وعسكر هؤلاء الجنود عند مرثون لأن هبياس قد نصحهم بأن في وسعهم أن يستخدموا في هذا السهل فرسانهم، وهم من هذه الناحية يفوقون اليونان كثيراً(4).

واضطربت بلاد اليونان أشد الاضطراب لهذه الأنباء، ذلك أن الجيوش الفارسية لم تكن قد غلبت قط قبل هذا الغزو، ولم تكن أمة من الأمم قد استطاعت أن تصد زحف جيوش الإمبراطورية. فهل في مقدور أمة ضعيفة مشتتة، لم تألف من قبل الاتحاد لغرض عام، أن تقف في وجه تيار الغزو الجارف؟ وترددت دول اليونان الشمالية في الوقوف في وجه هذه الجيوش الجرارة، واستعدت إسبارطة استعداداً يشوبه كثير من التردد، وأجازت للخرافات أن تؤخر التعبئة العامة؛ أما بلاتية الصغيرة فلم تتوان عن العمل السريع وبعثت بقسم كبير من أهلها يستحثون السير إلى مرثون. وحرر ملتيادس العبيد في أثينة وضمهم إلى الجيش مع الأحرار، وزحف بهم إلى ميدان القتال من فوق الجبال. ولما التقى الأعداء كان عدد الجيش اليوناني حوالي عشرين ألف مقاتل، أما جيوش الفرس فكانت عدتها في أغلب الظن حوالي مائة ألف(5). ولم يكن الفرس تعوزهم الشجاعة، ولكنهم كانوا يألفون أن يحاربوا فرادي، ولم يكونوا مدربين على أساليب اليونان في الدفاع والهجوم الجماعيين بصفوفهم المتراصة. وجمع اليونان بين النظام والشجاعة. وقد نجوا من الهزيمة الماحقة بالمثل الذي ضربه لهم أرستيديس Aristides إذ نزل عن القيادة لملتيادس، وإن كانوا قد ارتكبوا ذلك الخطأ الشنيع الدال على الحمق وهو توزيع القيادة العليا بين عشرة قواد يتولاها كل واحد يوماً(6). واستطاعت القوة اليونانية الصغيرة بفضل حنكة هذا الجندي القوي الخشن الطباع أن توقع بالجحافل الفارسية الجرارة هزيمة منكرة. ولم تكن هذه المعركة من معارك التاريخ الفاصلة فحسب، بل كانت فوق ذلك من أعظم الانتصارات التي لا يصدقها العقل. وإذا جاز لنا أن نأخذ بأقوال اليونان عنها، فإن الفرس قد خسروا في مرثون 6.400 من رجالهم، ولم يخسر اليونان إلا 192. ووصل الإسبارطيون إلى الميدان بعد انتهاء المعركة، وندموا على تباطؤهم، وأثنوا على الفائزين.

القوات المتقابلة

الأثينيون

 
Modern drawing of the Phalanx formation employed by Greek hoplites

الفرس

الاعتبارات الاستراتيجية والتكتيكية

 
Persian infantry (probably Immortals), shown in a frieze in Darius's palace, Susa


المعركة

 
المواقع الأولية للقوات قبل المعركة
 
جناحا اليونان يحيطان بالفرس

في سنة 490 ق.م أرسل داريوس ابن أخيه أرتافرنس، وكذلك داتس وهو واحد من لواءاته على رأس جيش وأسطول مكوَّن من 200 سفينة لقهر أثينا، وقام الفُرْسُ أوَّلاً بتدمير إرتريا وهي مدينة توجد بجزيرة يونانية تُسمَّي يوبوا ثمَّ أبحروا إلى الماراثون، فقام الضابط الأثيني ملتيادس الأصغر بوضع القوات الأثينيَّة على الحافَّة الدَّاخليَّة لمنطقة الماراثون، واحتل الفرس الحافَّة التي تطل على البحر. انتظر جيشا الطرفين أيامًا عديدة، وترقَّب الفُرْسُ وصول إشارة تفيد بأن شعب أثينا المتحالف معهم قد أضعف قوة أثينا ببدء حرب أهلية بالمدينة، وفي الوقت نفسه انتظر الجيش الأثيني مساعدة متوقعة من أسبرطة ولكنَّ نحو 600 جندي فقط من بلاتايا ـ وهي مدينة بالقرب من أثينا ـ انضموا لشعب أثينا بالماراثون.

وبعد مرور بضعة أيام، قام زعماء الفرس ـ أملاً في أن تكون قد حدثت حرب أهلية بأثينا ـ بتحميل جزء من قواتهم على السُّفن، واستعدوا للإبحار لأثينا ومهاجمة المدينة. وبعد أن رأى جيش أثينا أن هذه فرصة للانتصار قام بمهاجمة الفرس الباقين على السَّاحل، وقام اليونان بمحاصرة الفرس وإلحاق الهزيمة التَّامة بهم بالماراثون. وأبحر الفرس ـ غير مبالين بالهزيمة التي وقعت بالماراثون ـ صوب أثينا، وبعد بضعة أيام وصلوا إلى فاليرون (ميناء أثينا) حيث اتضح لهم عدم نشوب حرب أهلية بأثينا، وأنَّ الجيش الأثيني بالماراثون قد وصل إلى أثينا قبل وصول السُّفن الفارسيَّة. ونتيجة لذلك عاد الفرس إلى فارس.

وأرسل ملتيادس الأصغر ـ وفقًا للتقاليد ـ العدَّاء فايد يبيتس من الماراثون إلى أثينا يحمل أنباء عن الانتصار الأثيني. وجرى فايد يبيتس بأقصى سرعة مسافة 40كم إلى أثينا، وسلَّم رسالته، ووقع على الأرض ميتًا. وكلمة الماراثون تعني اليوم سباق الجري المترجل لمسافة 42,2 كم. وهكذا أصبحت الماراثون حدثًا مهمًا في المباريات الأوليمبية منذ عام 1896م.

نتائج الحرب

 
الربو التي دُفِن فيها قتلى اليونان بعد معركة ماراثون

لم يخبر دارا شعبه بالهزيمة فقد اعتبرها هزيمة عارضة ولكنها مع ذلك تركت في قلبه غصة جعلته يفكر دائما في الانتقام.

كانت نتائج الحرب غلى الجانب الاغريقي شديدة الاهمية فقد وصل الاسبرطيون إلى ميدان المعركة بعد انتهائها ولم يعد لهم الا تهنئة المنتصرين بينما احدث انتصار اثينا ضجة في بلاد الاغريق التي اكتشفت فجاة ان اثينا قوة هامة عسكريا حتى انها استطاعت لوحدها ان تهزم عدوا يخشاه الجميع. وبعد ان قدمت القرابين للالهة و اقامت النصب التذكارية للشهداء بدات تعيد النظر في موقعها. وكان ثيموستكليس (قائد بحري اثيني) قد نجح في الحصول على منصب الارخون. فقد ادرك ببعد نظره ان الخطر الفارسي مازال قائما و ان بلاده معرضة لحملات انتقام فارسية و لذلك دعى المواطنين إلى تكوين اسطول بحري واتخذ لذلك ذريعة الصراع مع ايجينا. الا ان ابطال مارثون عارضوا مشروعه على أساس ان المشاة هم من حققوا الانتصارات العظيمة وان المغامرات البحرية القريبة فشلت مشيرين بذلك إلى حملة مالتيادس على باروس ولكن ثميستوكليس نجح في اقناع الجمعية الشعبية (الاكليزيا) بعدم توزيع الفضة المكتشفة من منجم لوريوم على المواطنين و تخصيصها لاقامة اسطول بحري. وبعد 5 سنوات كان لاثينا اسطول يضم 200 سفينة ثلاثية صفوف المجاديف وكان طول السفينة 42 مترا يدفعها 87 مجدافا منظمة في 3 صفوف افقية وكانت سرعة السفينة من 4 عقد إلى 8 عقد وكانت حمولة السفينة 200 جندي بسلاحهم.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أهميتها

 
هوذة كورنثية يونانية والجمجمة التي قيل أنها كانت بداخلها من معركة ماراثون، وتوجد الآن في متحف اونتاريو الملكي، تورنتو.


الذكرى

 
تمثال پان، متحف كاپيتولين، روما

الهامش

المصادر

المصادر القديمة

مصادر حديثة

  • Green, Peter (1996). The Greco-Persian Wars. University of California Press. ISBN 0520203135.
  • Holland, Tom (2006). Persian Fire: The First World Empire and the Battle for the West. Abacus. ISBN 0385513119.
  • Lazenby, JF. The Defence of Greece 490-479 BC. Aris & Phillips Ltd., 1993 (ISBN 0-85668-591-7)
  • Lloyd, Alan. Marathon:The Crucial Battle That Created Western Democracy. Souvenir Press, 2004. (ISBN 0-285-63688-X)
  • Davis, Paul. 100 Decisive Battles. Oxford University Press, 1999. ISBN 1-57607-075-1
  • Powell J., Blakeley D.W., Powell, T. Biographical Dictionary of Literary Influences: The Nineteenth Century, 1800-1914. Greenwood Publishing Group, 2001. ISBN 9780313304224
  • Fuller, J.F.C. A Military History of the Western World. Funk & Wagnalls, 1954.
  • Fehling, D. Herodotus and His "Sources": Citation, Invention, and Narrative Art. Translated by J.G. Howie. Leeds: Francis Cairns, 1989.
  • Finley, Moses (1972). "Introduction". Thucydides - History of the Peloponnesian War (translated by Rex Warner). Penguin. ISBN 0140440399.
  • Anthologiae Graecae Appendix, vol. 3, Epigramma sepulcrale
  • D.W. Olson et al., "The Moon and the Marathon", Sky & Telescope Sep. 2004
  • AIMS. "Marathon History". Retrieved 2008-10-15.

وصلات خارجية

Coordinates: 38°07′05″N 23°58′42″E / 38.11806°N 23.97833°E / 38.11806; 23.97833