فرنسيس فتح الله مراش

فرنسيس فتح الله مراش (و. 29 يونيو 1836 - ت. 1873)، هو أديب وشاعر سوري، وكان له إسهامات فعالة في جمعية زهرة الآداب وجريدة التقدم وكان يحتل مكانة مرموقة في الوسط الأدبي السوري في القرن التاسع عشر.

فرنسيس فتح الله مراش

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياته

 
كتاب غابة الحق. لقراءة الكتاب، اضغط على الصورة.

من الدلائل البليغة الأهمية على عظمة الأجواء الفكرية – الثقافية والمناخ السياسي – الاجتماعي السائد حول جمعية زهرة الآداب وجريدة التقدم ان الرائد العظيم فرنسيس مراش كان يساهم اسهاما فعالا في نشاطها دون أن يكون عضوا في الجمعية، رغم أنه على علاقات جد حميمة مع جميع الاعضاء الشباب، فكان يحتل بينهم مكانة مرموقة. وتحلى بشهرة عظيمة بوصفه أول ايديولوجي للتنوير العربي، نظر تنظيرا فلسفيا للفكر السياسي – الاجتماعي العربي. كانت الحكمة ضالته المنشودة في كل ما كتب وفكر به، ولعله أسبق كتاب العصر للمطالبة بانشاء مجتمع جديد يسوده الوئام والتآلف ويرفرف السلام في ربوعه. وقد وصفه جرجي زيدان بقوله: "في شعره نزوع الى روح العصر فهو من أقدم النازعين الى هذه الروح في النهضة العربية الحديثة. نبهه الى ذلك اختلاطه بالافرنج واطلاعه على آدابهم".

فرنسيس مراش سلسل بيت علم وفضل أخرج لدنيا الأدب علماء وأدباء وشعراء. ولد مراش بمدينة حلب في 29 يونيو 1836، أصيب بالحصبة في الرابعة من عمره وكادت أن تودي بحياته إلا أنه تعافي منها وتركت آثاراً على صحته ظل يعاني منها طيلة حياته. ولد وترعرع في أحضان والدين كريمين فرضع لبان الأدب، وتغذى ثمار العلم. كان والده فتح الله تاجراً حلبياً كبيراً له ممثليات في العديد من المدن الأوربية، كان خورشيد باشا قد أعدم سنة 1818 أخاه بطرس بن نصر الله مع عشرة من رفاقه بتهمة العصيان والثورة.

كان فرنسيس الأخ الأكبر لعبد الله مراش الكاتب اللوذعي الذي كان نصير رزق الله حسون في نشاطه المعادي للأتراك بلندن. ولمريانا مراش احدى الشاعرات العربيات الشهيرات ومن بواكيرهن في النهضة الأدبية الحديثة.

سافر مع والده إلى أوروبا عام 1850 وتجول فيها معه فترة السنة، ثم مكث والده بفرنسا وعاد هو إلى حلب وبقي فيها إلى عام 1853. ولما عاد والده تلك السنة ذهب الى بيروت لأشغال تجارية فاستدعى ولده اليها وأقام معه بها مدة سنة ثم عاد إلى حلب، واشتغل بالأدب منذ حداثته حتى يذكر له نظم وهو في التاسعة من عمره. سافر إلى باريس عام 1867 لدراسة الطب، وبقي بها نحو سنتين إلا أنه لم يستطع اكمال دراسته واعتلت صحته فعاد إلى حلب وهو يكاد يكون كفيف البصر، وقضى أواخر أيامه بحلب إلى أن توفي عام 1873.


اسهاماته الأدبية والسياسية

 
مرآة الحسناء. لقراءة الكتاب، اضغط على الصورة.

اشتهر في أواسط الستينيات كواحد من أعلام الأدب في سورية، ولاسيما كشاعر حساس مجنح الخيال من الطراز الأول. فخلط الغزل بالحكمة والنصائح بالفلسفة، مما دفع المستشرق كراتشكوفسكي الى مقارنته بفيلسوف المعرة وشاعرها أبو العلاء. ومن آثاره الأدبية المطبوعة نثرا ونظما "الكنوز الغنية في الرموز الميمونية" (قصيدة رائعة على صورة رؤيا شعرية رمزية في نحو من خمسمئة بيت دعاها بهذا الاسم نسبة الى بطلها ميمون بن مفتقر – حلب 1870)، وديوان "مرآة الحسناء" (رتبه حسب القوفي ونشر بعد وفاته – بيروت 1872). كان مراش شاعرا صوفيا وحكيما مبرزا بآرائه وأفكاره الفلسفية، ولكنه اشتهر أيضا بتأليفه العلمية والطبيعية نذكر أهمها: "المرآة الصفية في المبادئ الطبيعية (حلب 1861)، و"در الصدف في غرائب الصدف" (بيروت 1872)، ولاسيما كتاب "شهادة الطبيعة في وجود الله والشريعة" (بيروت 1892).

تأثر فرنسيس مراش كثيرا بالحياة السياسية الاجتماعية الحالكة السواد في سورية الرازحة تحت نير الحكم العثماني الاستبدادي، وعاش مرارة اعتلال صحته وكفاف بصره. مما طبع أشعاره الغنائية وتأملاته الفكرية الاجتماعية بصبغة تشاؤمية، لم تقف حائلا دون ايمانه المطلق بانتصار العقل، والانتصار النهائي للعدل والحرية والمساواة لكل الناس، هذه الأفكار التنويرية الأصيلة تجلت في تأليفه الصادرة في النصف الثاني من الستينيات، ولاسيما في كتاب "غابة الحق" (بيروت 1866) وكذلك في "رحلة الى باريس" (بيروت 1867) الذي صور فيه التقدم الأوربي، ودعا الى تطوير الشرق تطويرا شاملا.

وأخيرا "مشهد الأحوال" (بيروت 1870) وهو كتاب في القضايا المعاصرة له ، سلك فيه مسلكا فلسفيا اجتماعيا، وجرى فيه مجرى المقامات، عالج فيه أحوال الكون من جماد ونبات وحيوان.

كان رواد النهضة الشباب على قناعة راسخة بأن التعليم هو المحور الأساسي للرقي الاجتماعي ، ولذا حاولوا نشر المعارف والعلوم الطبيعية والتقنية في أوساطهم التي يسودها الجهل والتعصب والمعتقدات الخرافية والمفاهيم السلفية البائدة. فكانوا ينزعون في الواقع الى أبعد من ذلك بكثير: خلق ايديولوجية متماسكة الأهداف تناضل ضد النظام الجائر الاقطاعي المتخلف اجتماعيا وسياسية وثقافيا، الذي يقف وجهازه القمعي حائلا دون الوصول الى التقدم الاجتماعي واصلاح الأوضاع البائسة، فضلا عن ايجاد تحرك يهدف الى تحقيق القيم والمثل البرجوازية الطابع. وهذا يعني أنهم لم يكونوا - الى حد ما – على دراية بماهية السلاح الفكري – النظري لأيديولوجية التنوير الأوربي وحسب، بل وكان لزاما عليهم امتلاك ناصية ذلك السلاح الاقطع، أو بعبارة أخرى، يجب عليهم تحويل عوام الناس الأميين الى جمهور واع متعلم ومثقف، له وحده الحق الكامل في تقرير مصيره، جمهور يناضل في سبيل اسقاط الاستبداد السياسي والنظام الاقطاعي الزمني والديني ليفسح المجال أمام استتباب "سيادة مملكة العقل".

ولكن، اذا كان البستانيون قد نجحوا في تبوؤ الموقع القيادي داخل معركة النهضة العربية، ووصلوا في وقت قصير الى استيعاب مسألة ضرورة ترشيد الحياة السياسية والاجتماعية في النظام الاقطاعي – البيروقراطي ، فانهم ابتداء من صدور "الجنان" اتخذوا – ولم لا بدفع من منافعهم الشخصية – من الجامعة العثمانية مذهبا سياسيا يقتدون به في نشاطهم اللاحق. خلاصة القول: ان تدني مستوى النضوج السياسي لدى البساتنة لم يسمح ولن يسمح لهم في بداية السبعينيات، من طرح شعار القضاء على النظام المذكور بالانقلاب أو الثورة، اذا دعت الضرورة لذلك. وبعبارة أخرى، لم تكن النهضة العربية تمتلك بعد أيدلوجية بورجوازية تنويرية ذات مذهب سياسي – اجتماعي راديكالي، فقد ظلت اسيرة الفكر التنويري الأوربي، ولاسيما الفرنسي في مرحلتها المبكرة، وواصلت الدوران حي حلقة مفرغة من توجيه الانتقاد الى الواقع الاقطاعي المتخلف في البلاد العربية الخاضعة للدولة العثمانية، فكانت المهام الملحة المطروحة على الساحة تتلخص في مقولة نشر التعليم بين الناس بوصفه السبيل الوحيد لتقريب هذه الأقطار شيئا فشيئا من مستوى الواقع البرجوازي الأوربي.

فكان مراش أول منور عربي جعل من التنوير نظاما متكاملا وشاملا له مثله وقيمه العليا التي يصبو اليها، وهذه نقلة نوعية لا سابق لها في تاريخ النهضة الحديثة. ونخص بالذكر هنا مقولته بجواز الثورة (اذا اقتضت الضرورة) سبيلا لتحقيق الأهداف الجذرية لارامية لاصلاح وترشيد الحياة السياسية – الاجتماعية، وقد تجلى الفكر التنويري لفرنسيس مراش من خلال كتابه "غاية الحق" الذي يستحق وقفة قصيرة.

لب الموضوع في الكتاب البليغ الدلالة: أن "مملكة الحرية" تشهر الحرب ضد "مملكة العبودية" ، ينتصر الجيسش بقيادة الوزيد "حب السلام" المسلح "بالنور والمعرفة" ، ثم يمثل "ملك العبودية" أمام القضاء، ويرأس المحكمة "ملك الحرية" ، أما القاضي فهو "فيلسوف". وفي سياق نظر القضية يعرض الكاتب أفكاره الاجتماعية عن سبل اصلاح المجتمع.

حاول مراش تقديم تأويل فلسفي لمفهوم "الحرية" متأثرا بأفكار المنورين الفرنسيين (روسو أساسا) ، وانطلاقا من "قانون الضرورة" أحد القوانين الأساسية في الطبيعة. فالطبيعة تتطور وفقا لقوانينها الثابتة، ولهذا يبقى كل شئ حرا في حالته الطبيعية لأنه متماش مع هذه القوانين، وخاصة قانون الضرورة الذي يبرر وجود الأشياء والظواهر. وبتعبير آخر، لا يمكن نيل الحرية في المجتمع الانساني الا بعد تحطيم كل القيود التي لا يمليها قانون الضرورة. والتي تعرقل مسيرة التقدم. يقول مراش: "لقد توصلنا الى استنتاج مفاده أن الحرية المطلقة لا يمكن ادراكها، وأن كل شيء يوجد في حالة تبعية متبادلة، فيحد كل منهما حرية الآخر في ذات القوت. ولكن عندما لا يقدم مثل هذا التحديد أي نفع أو يعرقل توطيد واستمرارية نظام سليم، فانه يصبح من الواجب، بل والضروري إزالته". نستنتج من ذلك ان كل استبداد او استبعاد مناف لقوانين الطبيعة والعقل، وبالتالي يجب محاربتهما من أجل الوصول الى المجتمع الفاضل. والوصول الى المجتمع الفاضل يبرر طريق الثورة "فالعالم ملئ برائحة البارود المستخدم في سبيل الحرية". ولهذا السبب نرى مراش يحيي الحرب الأهلية في أمريكة الشماية.

ونظام الدولة المثلى في نظر مراش هو الملكية الدستورية المستنيرة التقدمية القائم على المحبة الشاملة. اذ يسود مبدأ مساواة الناس أمام القانون والاسترشاد بمبدأ "المنفعة العامة"، الذي يتجلى في قانون الضرورة الموجود في الطبيعة. ويعتقد مراش أن الأهم في سياسة الدولة يتجسد في "سريان القوانين بدرجة واحدة على جميع المواطنين دون أدنى تمييز بينهم . .. اذ ينبغي التعامل مع الجميع بشكل مكافئ كي لا ينتهك حرمة القانون. واذا كان الزعماء البارزون والناس الميسورون قوة موحدة، فالصغار والفقراء موجهون لهذه القوة، اذ لولا هذا الإنسان الصغير لعجز الكبير عن فعل أي شيء، ولولا كدح الفقراء لما تمتع الأغنياء بالخيرات، ولما صان أحد ثروتهم، ولما شيد أحد قصورهم العامرة .. وينادي مراش بتوفير الحقوق المتساوية لكل من يعمل ويكد، ويعارض بقوة أي تعسف أو اجحاف بحق الفلاح، ولعل فرنسيس مراش أول منور عربي طرح مسألة المساواة على صعيد يكاد يكون اجتماعيا، فها هو ذا يتساءل: "لماذا يتمتع الأغنياء وحدهم بحق التصويت في المجالس السياسية، بينما بقية الناس الذين يشكلون الجزء الأكبر من الشعب يحرمون من هذا الحق، علما بأن جبروت الدولة وقوة الملك ومحور السياسة كلها يتوقف عليهم بالتحديد".

يصور مراش النظام السياسي – الاجتماعي المثالي القائم على مبدأين رئيسين: أولا – المساواة بين جميع المواطنين الذين يجب عليهم الاسترشاد بمبدأ المنفعة العامة واعطائه الأفضلية عن كل شيء آخر. ثانيا – الوصول الى النفع العام يتلخص في نشر التعليم المدرسي وتطوير التجارة الحرة، وتقدم الصناعة وتحسين أحوال الكادحين وتأمين رفاهيتهم ، وتحسين الزراعة باتخاذ موقف عادل ازاء الفلاح الكادح وتقديم العون له، وأخيرا توفير أمن الفرد والممتلكات وصون عرض الإنسان.

تعد فرنسة مثال الهيكل الاجتماعي – السياسي لفرنسيس مراش . ففي كتابه "رحلة الى باريس" ، الذي يصور فيه انطباعاته التي خرج بها من زيارته لأوربا، ويعد فرنسة دولة مثالية قائمة على الأسس التالية: 1- سياسية رشيدة، 2 – تنوير العقول، 3- تهذيب العادات والأخلاق ، 4- توفير النظام الصحي، 5- المحبة وهي "لاهوت الهيكل الاجتماعي". وتتميز مذكرات مراش عن رحلته الى باريس بالتأملات الفلسفية الاجتماعية، فهو كاتب مبادئ وتفكير، وأغرم بالحرية فدعا اليها ورعاها بكل شوق، فكان بذلك من كبار كهنتها، ولا غرو بعد ذلك في أن يكون مراش على أشد الاعجاب بفرنسة وعاصمتها باريس ، كان مأخوذا برقي النظام التعليمي وتقدم العلوم وسيادة العقل والحكمة والحرية في جميع ميادين الحياة. كتب مراش يقول: "يالله كم تقر عين الانسان وتمتلئ لمعانا وبريقا عندما يترنو الى الامة الفرنسية. فتراها في كل جزئياتها كيانا واحدا لا يعتريه أي تصادم بين الأجزاء المكونة له. فلا تجزئة ولا تفقرة داخل الكيان الواحد الموحد كالبنيان المرصوص يشد بعضهم بعضا. طوبى للعيون الرانية الى هذه الأمة الغارقة في بحر الأمان والسلام والوئام، فلا وجود لأي خطر خارجي ترهبه، ولا وجود لأي تآمر داخلي تخشاه، طوبى للعيون التي ترى الشعب الفرنسي ينعم بخيرات بلاده دون أي خوف من جاره الجشع أو المتعطش للدماء.... الشعب الذي يختال في دروب الحرية، وينام قرير العين دون أن يهاب سيف الجلادين سفاكي الدماء، أو خطر وقوع التمرد والعصيان، يعيش حرا في يقينياته الإلهية ومعتقداته الزمنية فلا يخشى التعرض لعقوبة القوانين الجائرة... لهذه الأسباب مجتمعة، نرى هذه البلاد وهي تستقطب أنظار الدنيا. فهي تقدس الممتلكات الشرعية، وتكفل الأمن الكامل، وتكرس الحرية المطلقة".

لقد اتخذ المنور العربي فرنسيس مراش من فرنسة منهلا لأفكاره المثالية، فحاز على قصب السباق بالنسبة للبستانيين ان على صعيد فكره المتناسق المتكامل. أم على صعيد الفكر التقدمي الطليعي، فأصبح نبراسا يهتدي بنوره مفكرو العرب في العصر الحديث، ولاسيما أعضاء "جمعية زهرة الآداب"، فمراش الذي عاد الى بيروت ابان نشوء الجمعية، كان جديرا بتبوؤ مركز القائد الرائد بفضل مؤلفاته الجليلة، ولأنه صاحب مدرسة ومذهب، فضلا عن أن عمره يؤهله ليكون شيخ الشباب، اذ ذاك. كان قد أكمل السابعة والثلاثين من عمره القصير، فيما لم يكن أديب اسحاق "العضو الأهم في الجميعة التي استلم رئاستها بعد عام واحد قد أكمل ربيعه السابع عشر". واذان، كم وكم ومن المعارف والخبرات وجب على أديب ورفاقه أن يتعلموها ويستوعبوها من فرنسيس مراش.

من الجلي أن أفكار مراش عن النظام السياسي ما كان بامكانها – رغم محتواها التقدمي الظاهر – أن تنسحب على النظام السياسية في الدولة العثمانية، أو تعالج قضية النظام السياسي القائم في سورية آنذاك. فاذا كان رواد النهضة الراديكاليون قادرين في ظروف الاستبداد الشاهاني على التعبير عن مشاريعهم وطروحهم الفكرية – الثقافية البحتة في اطار جمعية شرعية "كزهرة الآداب" أو على صفحات جريدة مرخصة "كالتقدم"، فان أفكارهم السياسية والاجتماعية الناضجة، وتطلعاتهم السياسية – القومية الطموحة وجدت متنفسا لها من خلال النشاط السري والاحاديث والاجتماعات التي كانت تدور في السر والخفاء، أو عبر القصائد الحماسية القومية التي كانت تتردد على ألسنة الناس، أو عن طريق توزيع المناشير والاعلانات والبيانات.

كان أديب اسحاق محور النشاط العلني في جمعية زهرة الآداب، ومحرك العمل السري الذي اضطلع به الرواد الراديكاليون التقدميون في غضون السنوات 1874-1876. وما يؤسف له حقا ان كتاب "الدرر" الذي صدر بعد وفاة أديب، وكذلك الكتاب الذي جمعه ونشره ناجي علوش – أديب اسحاق: الكتابات السياسية والاجتماعية" تضمنا أربع نبذ لأديب تتعلق بالفترة موضوع البحث، وهي لا تقدم جديدا في هذا المجال، ولذا فاننا سنعالج بالتفصيل نشاطه السياسي في الفصل القادم.

كتبه

له من المؤلفات كتاب غابة الحق صنف معظمه في باريس، ومشهد الأحوال وكلاهما مطبوعان في بيروت، وله ديوان بعنوان مرآة الحسناء طبعه له في بيروت سليم البستاني في مطبعة المعارف، وله رسائل موجزة في مواضيع شتى لكنها لم تطبع. رحلة إلى باريس، وشهادة الطبيعة في وجود الله والشريعة، والمرآة الصفية في المبادئ الطبيعية.

وفي كتاباته يميل الى التأمل الفلسفي ويؤثره على العلوم الرياضية أو الطبيعية لما في الأول من سعة المجال للخواطر ولأن الأخيرة مقيدة بقوانين وقواعد، فطبيعته كانت لا تطيق احتمال أسر القيود المعنوية ناهيك عن المادية، لذا يلحظ في كتاباته جنوح نحو التحرر من قيود اللغة وقواعد الانشاء. يقول عنه جرجي زيدان:

إلا أنه كان يعرف حق المعرفة أن الحرية المطلقة كالكبريت الأحمر لا تقوم إلا في الذهن ولا وجود لها في الخارج.

وهذا ما حداه إلى أن يقول:

رق الزمان جرى على كل الورى واقتادهم بسلاسل و قيود
رسف الأمير مكبلاً بنضاره رسف الأسير مكبلاً بحديد

وأن يقول:

صدقوني كل الأنام سواء     من ملوك الى رعاة البهائم
كل نفس لها سرور و حزن لاتني في ولائم أو مآتم
كم أمير بات في دسته يشقى بالهُ والأسير في القيد ناعم
أصغر الخلق مثل أكبرها جرما ما لهذا و ذا مزايا تلائم
هذه النملُ تستطيع الذي تعجز عن فعله الأسود الضياغم
والخلايا للنحل أعجب صنعاً من قصور الملوك ذات الدعائم

المصادر

  • الهلال - الجزء الثاني والعشرون - السنة الخامسة - 15 يوليو 1897 - 15 صفر سنة 1315، باب أشهر الحوادث وأعظم الرجال.