سياسة الوزارة النوبارية

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سياسة الوزارة النوبارية وأثرها في تطور الحركة الوطنية

تألفت وزارة نوبار باشا الأولى في أغسطس سنة 1878 فتولت الحكم في ظروف مضطربة وجو مكفهر بالغيوم ، وكان لسياستها أثر كبير في تطور الحركة ، إذ لم يكن يخفى عن الاذهان أن لهذه الوزارة طابعاً أجنبيا لا يحببها إلي النفوس ، فقد ألفت بإيعاز من لجنة التحقيق الأوربية ، وكان الغرض الأول من تأليفها تنفيذ المطالب والاقتراحات التي انتهت إليها اللجنة ، ولم يكن نوبار باشا موضع ثقة الأمة وعطفها ، لما اشتهر عنه من النزعة الأوربية ، وغثاره المصالح الأجنبية على المصالح القومية ، ولما تحققه الناس من أن غسناد رآسة الوزارة غليه كان نزولاً على رغبة السياسة الإنجليزية والفرنسية ، وزاد في كراهية الناس للوزارة اشتمالها على عضوين اجنبيين لهما النفوذ الفعال ، وهما السير ريفرز ويلسون وزير المالية ، والمسيو بلنيير وزير الأشغال.

ولم يكن خافياً أن هذين الوزيران الأجنبيين إنما يمثلان الدول الأوربية ، وأن نوبار باشا يخضع لغشاوتهما ، وأن الوزارة برمتها كان الغرض الأول رعاية مصالح الدائنين الأجانب ولو ادى ذلك إلي الإضرار بمرافق البلاد ، ولم تألف البلاد من قبل أن يتولى الحكم وزراء من الإجانب ، ولئن كانت وزارة نوبار باشا اول نظارة تولت مسئولية الحكم طبقاص للنظام الجديد الوارد في مرسوم 28 أغسطس سنة 1878 ، إلا ان البلاد اعتادت إسناد مناصب " النظار " من قبل إلي المصريين دون الأجانب ، فتأليف وزارة نوبار ، وفيها وزيران أجنبيان ، وعلى رأسها وزير عرف بنزعته الأوربية ، كان صدمة لعواطف الأهالي ، هاجت خواطرهم وأقلقت بالهم ، فلا جرم ان سموها " الوزارة الأوربية " ، وهذه التسمية في ذاتها تشعر بمبلغ فقدانها ثقة المصريين.

وقد استانفت لجنة التحقيق أعمالها بدعوة من الوزارة لإتمام عملها ن وكان من اعضائها ثلاث من الوزراء ن وهم ريفرز ويلسن ، ودي بلينيير ، ورياض باشا ، وخولت تلك اللجنة سلطة لم تكن لها من قبل ن وهي وضع مشروعات القوانين المالية للبلاد ، وأصدر الخديوي مرسوماً بذلك في 6 يناير سنة 1879 ، وهذا معناه بقاء لجنة التحقيق الأوربية إلي أجل غير محدود ، وجعلها لجنة دائمة تختص بالتشريع للبلاد ن وفي ذلك من الإفتيات على الحكومة وامتهان كرامة الأمة ما لا يخفى عن الأذهان ن وكان صدور هذا المرسوم موضع اعتراض مجلس شورى النواب.

ولم تكن أعمال الوزارة مما يحببها إلي الاهالي ، ويرغبهم في بقائها ، لأنها في الواقع كانت تعمل على حماية مصالح الدائنين ، وقد أقصت الموظفين المصريين عن النفوذ والسلطة ، وعزلت طائفة منهم بحجة الاقتصاد ، وعينت الأجانب في الوظائف الهامة ، وأغدقت عليهم الرواتب الضخمة ، فمن هؤلاء المسيو بلوم باشا Blum الذي جعل وكيلاً لوزارة المالية ، والسنيور بارافللي العضو بصندوق الدين ، وقد جعل مراجعاً عاماً لحسابات الحكومة ، والسير أو كلان كولفين مديراً لمصلحة المساحة الخ الخ ، وكان السير ريفرز ويلسون أكثر إمعاناً من زميله في اسناد المناصب إلي الأجانب ولا سيما الإنجليز ، ولم يظهر من هؤلاء الموظفين إخلاص في العمل ، بل كانوا يعتبرون المناصب مغانم يستغلونها ، كما كان الأجانب يستغلون اتصالهم بالخديوي من قبل ، وذاد على ذلك إرهاق الأهالي في جباية الضرائب ، وما شاع عنها من العزم على زيادة الضرائب على الأطيان العشورية ، فجاء العاصمة في خلال شهر يناير سنة 1879 وفود من أعيان الأقاليم يبثون شكايتهم وشكاية الأهالي عامة من فداحة الضرائب والقسوة في جبايتها ، فظهر في الميدان عامل جديد زاد مركز الوزارة حرجاً ، وهو صوت الأعيان والأهالي يعالنونها بالاستياء والسخط.

تبرم الناس بالوزارة ، لأعمالها المثيرة للخواطر ، الجارحة للكرامة القومية ، وأخذت الدوائر الوطنية تحمل عليها حملات صادقة ، فاشتد تيار السخط عليها ، ولم يكن لها من قوة تعتمد عليها سوى تأييد الحكومتين الإنجليزية والفرنسية ، أي أنها كانت هيئة أجنبية تستمد سلطتها من الخارج وتحكم البلاد بالرغم من شعور أهلها.

وقد استهدفت من ناحية أخرى لغضب الخديوي ، لأنه لم يكن يغضي عن تجريده من أملاكه ، وإقصائه عن إدارة شؤون الحكومة ، وهو الذي اعتاد أن يحكم البلاد حكماً مطلقاً خمسة عشر عاماً ونيفاً ، فكان في خاصة نفسه ناقماً على الوزارة راغباً عنها ، ولكنه كانمضطراً للإذعان نزولاً على حكم الدول الأوربية ، ولئن كان قد صارح السير ريفرز ويلسن حينما قدم إليه تقرير لجنة التحقيق أنه اعتزم إطراح طرائق الحكم القديمة ، وأعلن في أمره الصادر لنوبار أنه عازم على أن يحكم " مع مجلس النظار وبواسطته " ، لكن ميوله إلي الحكم المطلق لم تكن فارقته لحظة واحدة ، وإنما اضطر للتخلي عن هذا الحكم إلي وقت معلوم ، حتى تتهيأ له الظروف التي يسترد فيها سلطته القديمة.

وقد ساءه من الوزارة أنها بالغت في غل سلطته بغقصائه عن رآسة مجلس الوزراء ، وتنحيته عن حضور جلساته ، وكانت الدولتان الإنجليزية والفرنسية تلحان في وجوب تنفيذ هذا الشرط ، بحجة أن حضور الخديوي جلسات مجلس النظار وترؤسه له يعطل الإصلاحات التي كانت تبغيها الوزارة ، لأن هذه الإصلاحات ترمي إلي نقض الأعمال والمساوئ المنسوبة هذا ، ولم يكن إسماعيل ليستطيع صبراً على أنت يتجرد من السلطة إلي هذا الحد. فالرأي العام المصري من جهة، والخديوي إسماعيل من ناحية أخرى ، كانا خصوم " الوزارة الأوربية " ، ولئن اختلفت وجهة نظر كليهما في هذه الخصومة فإن كلاً منهما كان يبغي إسقاطها".


رئاسته الوزارة الأولى

حكومته

"تشكيل الحكومة من 28 اغسطس 1878 - 23 فبراير 1879"
الوزير الوزارة
علي باشا مبارك نظارة الأشغال العمومية، نظارة الأوقاف، نظارة المعارف العمومية
مستر ريفرس ويلسون نظارة المالية
مسيو دي بلينير نظارة الأشغال العمومية
مصطفى باشا رياض نظارة الداخلية
نوبار باشا نوبريان نظارة الحقانية، نظارة الخارجية

رئاسته الوزارة الثانية

حكومته

"تشكيل الحكومة من 10 يناير 1884 - 9 يوليو 1888"
الوزير الوزارة
عبد القادر باشا حلمي نظارة الحربية والبحرية، نظارة الداخلية
علي باشا غالي نظارة الحربية والبحرية
محمد باشا ثابت نظارة الداخلية
محمد باشا زكي نظارة المالية
محمود باشا الفلكي نظارة المعارف العمومية
محمود حمدي باشا نظارة الداخلية
مصطفى باشا فهمي نظارة الحربية والبحرية، نظارة الداخلية، نظارة المالية
نوبار باشا نوبريان نظارة الحقانية، نظارة الخارجية، نظارة الداخلية

رئاسته الوزارة الثالثة

حكومته

"تشكيل الحكومة من 15 ابريل 1894 - 12 نوفمبر 1895"
الوزير الوزارة
أحمد مظلوم نظارة المالية
بطرس باشا غالي نظارة الخارجية
حسين باشا فخري نظارة الأشغال العمومية، نظارة المعارف العمومية
مصطفى باشا فهمي نظارة الحربية والبحرية
نوبار باشا نوبريان نظارة الداخلية

تبرم الموظفين

قلنا " الوزارة الأوربية " جعلت شغلها الشاغل تدبير المال اللازم لأداء أقساط الدائنين الأجانب ، وهو العمل الذي تالفت من أجله ، واهملت ما عدا ذلك من الأعمال الحيوية. وقد تبرم الموظفون الوطنيون عامة بالوزارة ، لأنها كانت تكيل المال جزافاً للموظفين الأجانب وتؤدي لهم الرواتب الضخمة ، في حين أنها عزلت طائفة من الموظفين الوطنيين ، وانتقصت من سلطة الباقين منهم في الحكومة ، فصارت الكلمة العليا للموظفين الأجانب وشمخوا بأنوفهم ، وعاملوا الموظفين الوطنيين بغطرسة وطبرياء ، فلا غرو أن نقم هؤلاء على الوزارة وتمنوا سقوطها.

وكان الموظفين يشكون تأخير الحكومة في اداء مرتباتهم ، وقد تجلى هذا التأخير في السنوات التي أعقبت الارتباك المالي ، وكان مما اقترحته لجنة التحقيق وجوب دفع راتب كل شهر للموظفين ، مع نصف شهر من الأشهر المتأخرة ، وقد نفذت الوزارة الجديدة هذا الاقتراح بالنسبة لبعض الموظفين في السلك المدني دون ضباط الجيش.

احالة 2500 ضابط على الاستيداع

أهملت الوزارة دفع رواتب الضباط ، ولم تعاملهم كموظفي السلك المدني ، وترجع هذه التفرقة إلي أن الوزارة النوبارية ولجنة التحقيق كانتا لا تشعران بأي عطف نحو الجيش وضباطه ، بل ترهبان جانبهم ، وتريان في القوة الحربية أكبر عقبة تحول دون التدخل الأجنبي في شؤون البلاد ، ويدخل في هذا السياق أن الوزارة عمدت إلي انقاص عدد الجيش ، توفيراً في النفقات بحجة أن الحكومة عاجزة عن الانفاق عليه ، إذ أن معظم إيرادات الحكومة ، خصصت لأداء أقساط الديون ، فرأت تسريح عدد كبير من الجند ، وقررت إحالة 2500 ضابط من ضباط الجيش دفعة واحدة إلي الاستيداع.

لم يكن الضباط قبل هذا القرار ينالون رواتبهم بانتظام ، إذ كان متأخراً لهم مرتبات عشرين شهراً ، وهذا وحده كان يكفي لتبرمهم واستيائهم ، وبدلاً من أن تنصفهم الوزارة الجديدة جاء قرارها ضربة قاضية على آمالهم ، فلا هم نالوا شيئاً من رواتبهم المتأخرة ، ولا هم بقوا في مناصبهم يؤملون أن تنقدهم الحكومة ما تأخر من رواتبهم ، فلا جرم أن جاء هذا القرار مثيراً لسخطهم ، دافعاً لهم إلي التمرد والثورة.

وجاء تنفيذ القرار بأسلوب يساعد على وقوع التمرد ، وذلك أنه بدلاً من أن ينفذ القرار على الضباط في مراكزهم الموزعة على مختلف عواصم القطر ، فيدع كل منهم سلاحه في ثكنته ويعود إلي بلده ، فإن وزير الحربية استدعاهم جميعاً إلي العاصمة ، وأمر أن يسلموا أسلحتهم في ثكنات العباسية أو القلعة ، فاحتشد الضباط المحالون إلي الاستيداع في عاصمة القطر وكلهم ناقمون على الوزارة الجديدة 0 كان احتشاد هذا الجمع الكبير من الضباط الناقمين في صعيد واحد مما يسهل إشعال جذوة الثورة في نفوسهم ، وقد كان اجتماعهم في وقت عودة المحمل من الحج ، أي في وقت تحتشد فيه الجماهير من كل فج عميق وتعظم الحماسة في نفوس الأهالي.