حرب التحالف الثاني

حرب التحالف الثاني War of the Second Coalition (1798–1802) كانت المحاولة الثانية من قبل الملوك الأوروبيين، بقيادة ملكية هابسبورگ في النمسا و الامبراطورية الروسية، للقضاء على الثورة الفرنسية فرنسا. فشكلوا تحالفا جديدا ومحاولة لدحر فتوحات فرنسا العسكرية السابقة. أعدت النمسا وروسيا جيوش جديدة للحملات في ألمانيا وإيطاليا في عام 1799.

حرب التحالف الثاني
جزء من حروب الثورة الفرنسية
Lejeune - Bataille de Marengo.jpg
لوي-فرانسوا لجون: معركة مارنگو
التاريخ1798–1802
الموقع
وسط أوروبا، إيطاليا
النتيجة

نصر فرنسي، معاهدة لونيڤيل، معاهدة أميان

  • نجاة الجمهورية الفرنسية
  • تأكيد الإلحاقات السابقة التي قامت بها فرنسا
  • استئناف أعمال الكراهية في 1803 بتشكيل التحالف الثالث ضد فرنسا
المتحاربون
 ملكية هابسبورگ
 الإمبراطورية الرومانية المقدسة[a]
Flag of مملكة بريطانيا العظمى مملكة بريطانيا العظمى[b]
Flag of Russia الإمبراطورية الروسية[c]
مملكة فرنسا الملكيون الفرنسيون
الپرتغال البرتغال
 الصقليتان
 الدولة العثمانية

فرنسا الجمهورية الفرنسية
 إسپانيا
POL COA Ciołek.svg الفيالق الپولندية
الدنمارك الدنمارك-النرويج[d]
الجمهوريات العميلة لفرنسا:

  1. اسمياً الامبراطورية الرومانية المقدسة، والتي كان من ضمنها هولندا النمساوية ودوقية ميلانو كانتا تحت الحكم النمساوي المباشر. كما ضمت العديد من الدويلات الإيطالية، وكذلك دويلات هابسبورگ أخرى مثل دوقية توسكانيا العظمى.
  2. أصبحت المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندة في 1 يناير 1801.
  3. تركت التحالف في 1799
  4. رسمياً محايدة، ولكن الأسطول الدنماركي هاجمته بريطانيا في معركة كوپن‌هاگن.
  5. أُلغيت إثر استرجاع الدويلات الپاپوية المحايدة في 1800.
  6. دولة قصيرة العمر حلت محل مملكة ناپولي في 1799.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المقدمة

لقد أسس نابليون نظاماً داخليا وهيأ ظروفا تؤدي إلى ازدهار اقتصادي لكن بقي أن فرنسا كانت محاطة بالأعداء بسبب الحروب التي بدأتها (أي فرنسا) في 20 أبريل سنة 1792. لقد كان الشعب الفرنسي يتطلع للسلام لكنه كان يرفض التخلي عن المناطق التي سبق أن ألحقتها الثورة بفرنسا: أڤينيون Avignon وبلجيكا والشاطئ الشمالي للراين Rhine وبازل، وجنيف وساڤوا Savoy ونيس Nice. وكانت كل هذه المناطق تقريباً داخلة فيما أطلقت فرنسا عليه اسم سحدودها الطبيعية وقد تعهد نابليون في قَسَمِه عند تولي السلطة بحماية هذه الحدود - الراين والألب والبيرينيز Pyrenees والحدود البحرية - باعتبارها مناطق كانت تابعة لبلاد الغال Gaul القديمة وبالتالي فهي فرنسية. وأكثر من هذا فقد كانت فرنسا قد استولت على هولندا وإيطاليا ومالطا ومصر. أكانت فرنسا راغبة في التنازل عن هذه البلاد التي فتحتها مقابل السلام أم أنها سرعان ما سترفض أي زعيم يتفاوض للتخلي عن هذه المكاسب المربحة؟ إن شخصية فرنسا قد التحمت مع شخصية نابليون في سياسة فخورة ملؤها الوطنية والرغبة في الحرب.


حرب التحالف الأول

في 20 أبريل 1792، أعلن المؤتمر الوطني الفرنسي الحرب على النمسا. في حرب التحالف الأول (1792–98) تلك، تمترست فرنسا ضد معظم الدول الاوروبية التي لها حدود برية أو بحرية معها، بالاضافة إلى البرتغال والدولة العثمانية. وبالرغم من أن قوات التحالف حققت عدة انتصارات في بداية الحرب، إلا أنها سرعان ما اندحرت من الأراضي الفرنسية ثم ما لبثت أن فقدت أراضٍ معتبرة لصالح الفرنسيين، الذين بدأوا في إقامة جمهوريات عميلة في الأراضي التي يحتلونها. جهود ناپليون بوناپرت في شمال إيطاليا دفعت القوات النمساوية إلى التقهقر وأسفرت عن التفاوض على سلام ليوبن (17 أبريل 1797) ومعاهدة كامپو فورميو (أكتوبر 1797) اللاحقة.[1]

توقف السلام

وقد تلقى نابليون في 20 فبراير سنة 1800 خطاباً يضم اقتراحاً هو بمثابة مَخْرج من هذا القدر المحتوم. إنه خطاب من لويس الثامن عشر الذي يعترف به - تقريباً - كل الذين تركوا فرنسا مهاجرين بسبب أحداث الثورة، وكل أنصار النظام الملكي. يقول فيه:

سيدي،

إن الرجال من أمثالك، مهما كان مسلكهم الظاهر لابد أنهم لا يرومون الأذى. لقد حققت مكانة عظيمة، وإنني أشكرك لهذا. إنك تعلم أكثر من أي شخص آخر مدى القوة والسلطة المطلوبتين لضمان السعادة لأمة عظيمة. انقذ فرنسا من العنف فإن فعلت حققت أهم ما يصبو إليه قلبي. أعد لفرنسا ملكها، وستحيي الأجيال القادمة ذكراك وتباركها. وستكون دائما ضرورياً جداً للدولة فبشغلك للمناصب المهمة سأكون قادراً على رد أفضالك على أسرتي وعليَّ شخصيا.

—لويس

وترك نابليون هذا الطلب بلا إجابة. فكيف يستطيع أن يعيد إلى العرش رجلاً وعد رجاله المخلصين أن يعيد الحال في فرنسا إلى ما كان عليه قبل الثورة بمجرد عودته للعرش؟ وماذا يمكن أن يحدث للفلاحين المحررين الذين أصبح لهم حق الاقتراع؟ وماذا سيحدث لمن اشتروا ممتلكات الكنيسة؟ بل وماذا سيحدث لنابليون؟ فالملكيون الذين كانوا يتآمرون عليه يوميا، كانوا يعلنون ما يجب أن يفعلوه مع هذا الدَّعِيْ (نابليون) الذي تجرأ على تسنم منصب الملك دون أن يكون له مسوّغ أو أصل نبيل(43).

وفي يوم عيد الميلاد (الكريسماس) في سنة 1799 (وهو اليوم التالي لاعتماد نتيجة الاستفتاء الذي أقر حكمه لفرنسا) كتب نابليون إلى ملك إنجلترا جورج الثالث:

... أظن أنه من الملائم أن أخبر جلالتكم بالحقيقة وأكتبها لكم بخط يدي، وفقاً لما تمليه عليَّ مسؤولياتي، بعد أن دعيت وفقاً لإرادة الشعب الفرنسي لشغل أعلى منصب في الجمهورية.

أليست هناك نهاية للحرب التي أشاعت الاضطراب في مختلف انحاء المعمورة طوال السنوات الثماني الماضية؟ أليست هناك وسائل نصل بها إلى تفاهم؟ كيف لأمتين هما الأكثر تنوراً في أوروبا، وهما الأكثر قوة حتى أن قوة أي منهما تفوق ما يتطلبه أمنها واستقلالهما - كيف لهما أن يقنعا بالتضحية بنجاحاتهما التجارية ورخائهما الداخليين وسعادة شعبيهما من أجل أحلام العظمة الخيالية؟ كيف لا تدرك أمتانا أن السلام محقق لعظمة كل منهما بالإضافة لكونهما في أمسّ الحاجة إليه؟

إن مثل هذه المشاعر لا يمكن أن تكون بعيدة عن قلب جلالكتم لأنكم تحكمون أمة حرة ولا هدف لكم إلا أن تكون أمة سعيدة.

إنني أتوسل من جلالكتم أن تصدقوا أنه عند تناولكم هذا الموضوع، فإنني سأكون مخلصا وراغبا في المشاركة العملية لتحقيق هذا الأمر... أي العمل من أجل تحقيق سلام كريم.. إن قدر كل أمة متحضرة يقوم على إنهاء الحرب التي أزعجت العالم كله(53).

—ناپليون بوناپرت

ووجد جورج الثالث أنه لا يليق بملك أن يجيب فردا من العامة (يقصد نابليون) فعهد إلى اللورد گرنڤيل Grenville بهذه المهمة، فأرسل گرنڤيل إلى تاليران (في 1 يناير سنة 1800) ملاحظات حادة تشير إلى اعتداءات فرنسا وأن إنجلترا لا تستطيع التفاوض مع فرنسا إلا إذا عادت أسرة البوربون إلى المُلك فعودتها شرط لإحلال السلام. وتلقى نابليون الرد نفسه من المستشار النمساوي بارون فرانتس فون توگوت Baron Franz von Thugut على خطاب أرسله إلى الإمبراطور فرانسيس الثاني. وربما لم يضع نابليون في اعتباره أن تكون الردود على هذا النحو. إنها على عكس ما كان يتوقع. فلم يُخبر أحد نابليون أن رجال الدولة يزنون كلماتهم وفقاً لعدد ما لديهم من بنادق ومدافع فقد ظلت الحقيقة الواقعة تتمثل في أن الجيش النمساوي قد استعاد شمال إيطاليا ووصل إلى نيس Nice وأن الجيش الفرنسي حبيس في مصر يحاصره البريطانيون والأتراك (العثمانيون) وقد اقترب وقت استسلامه أو تدميره.

 
عرض استراتيجي للعمليات في اوروپا والمتوسط في 1798-1799

لقد كان الجنرال كليبه (كليبر) قائداً شجاعاً وذكياً، لكنه كان دبلوماسياً غير ناجح، ذلك أنه عندما لم يتوقع وصول نجدة شارك رجاله القنوط والجزع، إذ أصدر أوامره للجنرال ديزيه Desix بتوقيع اتفاق في العريش (24 يناير سنة 1800) مع الترك (العثمانيين) والقائد الإنجليزي المحلي يقضي بمغادرة القوات الفرنسية أراضي مصر بسلام بأسلحتهم وأمتعتهم محتفظين بشرفهم العسكري على سفن تركية تنقلهم لفرنسا، في هذه الأثناء كان الفرنسيون (في مصر) يسلمون للترك (العثمانيين) الحصون التي كان يحتمي بها الأوروبيون (المقصود هنا: الفرنسيون) من هجمات المصريين، وعندما تم التسليم وصلت تعليمات من الحكومة البريطانية برفض شروط الإخلاء (وفقاً لاتفاق العريش الآنف ذكره) مصرَّة على أن يُلقي الفرنسيون (في مصر) أسلحتهم ويسلموا أنفسهم كأسرى حرب. ورفض كليبر ذلك وطالب بإعادة الحصون التي كان قد سلمها، وما كان الترك (العثمانيون) ليقبلوا ذلك وتقدموا نحو القاهرة، فقاد كليبر رجاله البالغ عددهم عشرة آلاف ليواجه القوات التركية البالغ عددها عشرين ألف مقاتل قوي في سهول هليوبولس (عين شمس) ورفع من الروح المعنوية لرجاله بخطاب بسيط إنكم لا تملكون من مصر سوى الأرض التي تحت أقدامكم، فإن لم تتراجعوا سوى خطوة واحدة لضاع كل شيء(63) وبعد معركة استمرت يومين (20-21 مارس 1800) استسلمت الشجاعة التركية (العثمانية) أمام التكتيكات الفرنسية المنظمة وعاد من بقي من المنتصرين إلى القاهرة لينتظروا مرة أخرى المدد من فرنسا.

ولم يستطع نابليون أن يُرسل لهم غوثاً لأن بريطانيا كانت تتحكم في البحر المتوسط.

معارك الحكومة القنصلية

لكن نابليون كان يستطيع أن يفعل شيئاً ما إزاء التقدم الناجح الذي أحرزه الجنرال النمساوي الذي نيَّف على السبعين بعام (بارون فون ملاس Michael von Melas) على رأس مائة ألف من خيرة الجنود النمساويين عبر شمال إيطاليا إلى ميلان. لقد أرسل نابليون القائد ميسينا Messena لوقف تقدمه لكنه هُزم ولجأ بقواته إلى حصن جنوة فترك ميلاس Melas قوة لمحاصرته وعيَّن فصائل إضافية لحراسة ممرات الألب تحسبا لهجوم قادم من فرنسا وتقدم على طول الريفيرا الإيطالية حتى وصلت طلائع قواته إلى نيس Nice في أبريل سنة 1800. لقد قُلِبت (بضم القاف) الموائد على رأس نابليون أو بتعبير آخر صار موقفه حرجاً: فالمدينة التي كان قد بدأ منها هجومه لفتح سهل لوميارديا في سنة 1796 أصبحت الآن في أيدي أمة كانت قد ذاقت الهزيمة على يديه - في الوقت الذي كان فيه أفضل جزء من جيشه المشهور الذي عُرف بالجيش الفرنسي فاتح إيطاليا Army of Italy مقسَّماً ضائعاً في مكان ناء بلا أمل هناك في مصر. لقد كان هذا أكبر تحد واجهه نابليون حتى الآن.

لقد ترك نابليون أمور إدارة فرنسا وطرحها جانباً، وعاد مرة أخرى قائداً عاماً يجمع المال ويحشد الجنود والعتاد ويرفع المعنويات وينظم الإمدادات ويدرس الخرائط ويرسل التوجيهات لجنرالاته. وعَهِد إلى مورو Moreau وهو الأكثر صراحة في إظهار عدائه لأعداء نابليون بجيش الراين Army of Rhine وزوده بتعليمات حاسمة لا رحمة فيها: اعبر الراين وشق طريقك عبر الأقسام النمساوية تحت قيادة المارشال كروج Krug ثم أرسل 25,000 من رجالك عبر ممر القديس جوتهارد St. Gotthard في إيطاليا لدعم جيش الصمود Army of Reserve الذي وعده نابليون بانتظاره قرب ميلان. وقد نفذ مورو Moreau معظم هذه الأعمال البطولية، ولكنه شعر - وربما كان على حق - أنه في موقفه هذا المنطوي على المخاطرة لن يعود لقائده (نابليون) إلاّ بخمسة عشر ألف رجل.

ومن بين كل معارك التاريخ العظمى، كانت معركة سنة 1800 هذه أحكمها تخطيطاً وأكثرها دهاءً وفي الوقت نفسه أسوأها تنفيذاً. لقد كان تحت قيادته المباشرة أربعة آلاف مقاتل فقط معظمهم من المجندين إلزامياً الذين لم يألفوا مشاق الحرب. تمركزت القوات بالقرب من ديجون Dijon وكان من الممكن ان تتحرك فوق الألب بالقرب من البحر إلى نيس لتنقض في هجوم مواجه (أمامي) على قوات ميلاس Melas، لكن عدد القوات كان قليلاً جداً، بالإضافة إلى أن الجنود لم يكونوا متمرسين بالحرب جيداً، وحتى لو أنهم انقضوا عليه (ميلاس) وهزموه في مثل هذه المواجهة فقد كان يمكنه الانسحاب بأمان عبر شمال إيطاليا إلى مانتوا Mantua الحصينة. وبدلاً من ذلك اقترح نابليون أن يقود قواته عبر ممر القديس برنار St. Pernard في لومبارديا ليتَّحِد مع الرجال المتوقع وصولهم مع مورو Moreau ويقطع خطوط مواصلات ميلاس Melas ويجتاح الفصائل العسكرية النمساوية التي تحرس هذه الخطوط لينقض على جيش هذا البطل الهرم (العجوز) أثناء تراجعه السريع من الريفيرا Rivera الإيطالية وجنوة في اتجاه ميلان. ومن ثم يواجهه فإما هزمه وإم انهزم أمامه، وفي أفضل الحالات فإنه (أي نابليون) سيحاصره ويمنعه من التراجع ويجبر جنراله على تسليم كل الشمال الإيطالي.

وذات يوم (17 مارس سنة 1800) أمر نابليون سكرتيره بورين Bourrienne أن يبسط خريطة كبيرة لإيطاليا فوق الأرض. يقول بورين ثم انبطح أرضاً ليطالعها، ورغب إليَّ أن أفعل الشيء نفسه وفوق نقاط معينة على الخريطة ثبَّت دبابيس ذوات رؤوس حُمر، وفوق نقاط أخرى ثبّت دبابيس لونها أسود. وبعد تحريك الدبابيس حول مواقع مختلفة على الخريطة سأل سكرتيره: أين سأضرب ميلاس Melas فيما تظن؟... هنا في سهول نهر سكريفا the River Scrivia وأشار إلى سان جيليانو(73) San Giuliano. لقد كان يعلم أنه يخاطر بكل شيء من أجل معركة واحدة. يخاطر بكل انتصاراته العسكرية والسياسية التي سبق أن أحرزها، لكن كبرياءه كان معه يسانده ويشد أزره. لقد ذكّر سكرتيره بورين قائلاً: منذ أربع سنوات مضت ألم أَسُق أمامي بجيشي الضعيف قطعان السردينيين (جيوش سردينيا) والنمساويين وطفت بجيشي على وجه إيطاليا؟ إننا سنفعل الشيء نفسه مرة أخرى، فالشمس التي تشرق فوقنا الآن هي الشمس ذاتها التي كانت تشرق في أركول Arcole ولودي Lodi. إنني أعوّل على القائد ماسينا Massena. إنني آمل أن يصمد في جنوا، لكن إن أجبرته المجاعة على الاستسلام فأستيعد جنوا مرة أخرى وكذلك سهول السكريفيا the Scrivia. ساعتها سأعود مسروراً إلى عزيزتي فرنسا، ويا له من سرور!(83).

لقد أضاف استعدادات لكل ما هو متوقع ببصيرة نافذة ولم يهمل التفاصيل البسيطة. لقد خطط للطريق الذي ستسلكه القوات ولوسائل النقل: من ديجون Dijon إلى جنيف، وبالقوارب عبر البحيرة إلي فيلينيف Villeneuve وبالخيول والبغال والمركبات أو سيراً على الأقدام إلى مارتيني Martigny، ومن هناك إلى سان پيير St. - Pierre عند قاعدة الممر ومن ثم فوق الجبال مسافة ثلاثين ميلاً في طريق لا يتجاوز عرضه في بعض الأحيان ثلاثة أقدام عرضاً، غالباً ما يكون على طول جروف (جمع جرف - بضم الجيم) عادة ما تغطيها الثلوج ومعرضة في أي لحظة لانهيار جليدي أو صخري أو أرضي، ومن ثم إلى التوغل في وادي دوستا (فال دوستا Valle d'Aosta). ورتَّب نابليون في كل مرحلة من مراحل هذا الطريق أمر الطعام واللباس والنقل ليكون في انتظار الرجال، وفي مراكز عديدة دبر أمر النجارين وصانعي السروج وغيرهم من العمال لإصلاح ما أفسدته المسيرة، كما دبَّر أن يجري التفتيش على كل جندي مرتين أثناء الطريق للتأكد من سلامة معداته. وأرسل للرهبان الذين يعيشون في صوامع على قمم الجبال أموالاً لشراء الخبز والجبن والنبيذ لإنعاش الجنود المارين بهم. ورغم كل هذه الاستعدادات فقد ظهر كثير من أوجه القصور، لكن هؤلاء الجنود الشبان المجندين إلزامياً بدوا وكأنهم على استعداد لتحمل هذه المشاق بصبر بسبب التشجيع الصامت الذي أبداه لهم المحاربون المخضرمون.

وغادر نابليون مدينة باريس في السادس من مايو سنة 1800. وما كان يغادر حتى شرع الملكيون واليعاقبة وآل بونابرت في التدبير لشغل مكانه إذا لم يعد منتصراً وناقش سييز Siegés وآخرون مدى أحقية أي من كارنو Carnot ولافاييت Lafayette ومورو Moreau لشغل منصب القنصل الأول الجديد (الذي سيحل محل نابليون) وعرض أخوا نابليون: جوزيف ولوسيان Lucien كورثة للعرش. وعاد جورج كادودال Cadoudal من انجلترا في الثالث من يوليو ليحرض الثوار الملكيين Chouans. لقد بدأت المواجهة الفعلية مع ممر سان بيرنار St. Bernard في 14 مايو. لقد تذكر السكرتير بورين قائلاً: لقد تقدمنا جميعاً على طول ممرات الماعز رجلاً في إثر رجل وحصانا في إثر حصان. وتم انزال المدفعية والبنادق وتم وضعفها في جذوع أشجار جرى حفرها، وتم سحبها بالحبال.. وعندما وصلنا للقمة.. مركزنا أنفسنا في الجليد وأنزلقنا فوق السفوح(93). وترجّل الخيالة حتى لا يؤدي انزلاق الخيول غير المدربة إلى هلاكها وهلاك راكبيها. وفي كل يوم كان قسم آخر من القوات يُكمل العبور، وبحلول اليوم العشرين من شهر مايو اكتمل العبور وأصبح جيش الاحتياط (الانقاذ) آمناً في إيطاليا.

وبقي نابليون في مارتيني Martigny، وهو موقع جميل في منتصف الطريق بين بحيرة جنيف والممر - حتى رأى بنفسه آخر شحنة امدادات. وبعدها ركب إلى القمة وهناك توقف ليشكر الرهبان لتقديمهم ما أنعش جنوده، ثم انزلق فوق المنحدر في معطفه وانضم لجيش في أوستا Aosta في 21 مايو. وكان لانز Lannes قد اجتاح بالفعل الفصائل النمساوية التي واجهته في الطريق. وفي اليوم الثاني من شهر مايو دخل نابليون مدينة ميلان Milan منتصراً - للمرة الثانية - على الحامية النمساوية. ورحب به السكان الإيطاليون كما فعلوا في المرة السابقة. لقد استعاد نابليون الجمهورية السيزالبية (جمهورية الألف الشمالية Cisalpine) وسط مظاهر الفرحة الغامرة. وكان نابليون قد ارتد عن دين محمد (الذي سبق أن اعتنقه في مصر) فدعا إلى اجتماع عقده هيئة أساقفة ميلان وأكد لهم إخلاصة للكنيسة وأخبرهم أنه عند عودته لباريس سيجري صلحاً بين فرنسا والكنيسة. أما وقد أمّن ظهره على هذا النحو فقد أصبح حراً في رسم استراتيجية معركته بالتفصيل. لقد انتهك القائدان مبدءاً استراتيجياً أساسياً - لا تقسِّم القوات المتاحة تقسيما لا يُمكِّنها من إعادة لمّ شملها بسرعة. فالبارون فون ميلاس Melas تمركز بالجزء الأساسي من جيشه في اليساندريا Alessandria (بين ميلان وجنوة) وترك حاميات في كل من جنوة وسافونا Savona وجافي Gavi وأكوي Acqui وتورين Turin وتورتونا Tortona وغيرها من النقاط التي قد تكون عُرضة لهجوم فرنسي. وتعرضت مؤخرة قواته التي كانت تزحف عائدة من نيس Nice لتنضم إليه لهجوم 20,000 جندي فرنسي بقيادة شوش Suchet وماسينا Masséna - الذي قد تمكن من الهرب من جنوة. ولم يعد متبقياً من 70,000 نمساوي كانوا قد عبرو الأبينين Apennines من لومبارديا إلى ليجوريا Liguria (جنوة) سوى 40,000، كان على ميلاس أن يواجه بهم نابليون وقواته. لقد أرسل جزءاً من هذه القوات المتبقية (الأربعين ألف مقاتل) لإعادة الاستيلاء على بياسنزا Piacenza باعتبارها طريقاً لا بديل له للهروب إلى مانتوا Mantua إذا حاقت بقوات جيشه الرئيسي الهزيمة. أما نابليون فقسَّم جيشه بطريقة محفوفة بالمخاطر: لقد ترك 32,000 مقاتل في ستراديلا Stradella لحراسة بياسنزا Piacenza و 9,000 في تيسينو Tessino و 0003 في ميلان، و 10,000 على طول مجرى البو Po والأدّا Adda. لقد ضحّى ببقاء جيشه موحدا رغبة منه في سد كل طرق الهرب في وجه رجال ميلاس Melas.

وتعاون جنرالاته في انقاذ سياسة الطريق المسدود هذه بعدم ترك نابليون يدخل المعركة الرئيسة بلا استعداد. ففي 9 يوليو قاد لانز Lannes ثمانمائة مقاتل من ستراديلا Stradella ليواجه بهم 18,000 مقاتل نمساوي كانوا في طريقهم الى بيسانزا Piacenza، وتراجع الفرنسيون في مواجهة كلفتهم الكثير عند كاستيجيو Casteggio رغم صمود لانز Lannes الذي ظل يقاتل وهو متسربل بالدماء في طليعة قواته، لكن مدداً من ستة آلاف مقاتل فرنسي وصل في الوقت المناسب ليحوِّل الهزيمة إلى نصر بالقرب من مونتبلو Montebello. وبعد ذلك بيومين سعد نابليون بوصول واحد من أقرب جنرالاته إلى نفسه قادماً من مصر. إنه لويس ديزيه Louis Desix الذي ربما كان يعادل مورو Moreau وماسينا Masséna وكليبر (كليبه) ولانز في مواهبه العسكرية، وإن كان يفوقهم جميعاً في رزانته الشخصية رزانة تصل إلى حد الكمال(04)، وفي 13 يونيو أرسله نابليون إلى جنوب نوفي Novi على رأس 5,000 رجل ليتأكد من الإشاعة التي مؤدّاها أن ميلاس Melas ورجاله يهربون إلى جنوا حيث يمكن للأسطول البريطاني مساعتدهم على إتمام الهروب أو يقدم لهم دعماً من الغذاء والسلاح. وعلى هذا فقد ظل التشكيل الرئيسي لجيش نابليون يتناقص حتى حلول المعركة الفاصلة في 14 يونيو.

لقد كان ميلاس Melas هو الذي اختار موقع المعركة الفاصلة، بالقرب من مارينجو Marengo وهي قرية على طريق أليساندريا - بياسنزا حيث لاحظ سهلاً فسيحاً يمكنه فيه حشد قواته البالغ عددها 35,000 مقاتل الذين لايزالون متاحين له مع مائتي قطعة مدفعية. وعلى أية حال، فعندما وصل نابليون إلى هذا السهل في 13 يونيو لم يجد دليلاً يشير إلى أن ميلاس كان يخطط للمغامرة بالخروج من أليساندريا Alessandria فترك عند مارينجو Marengo فصيلين عسكريين بقيادة الجنرال فكتور، وفصيلاً آخر بقيادة لانز Lannes مع خيالة بقيادة مورا Mural وأربعة وعشرين مدفعا فقط. وعاد هو نفسه (نابليون) بحارسة القنصلي في اتجاه فوجيرا Voghera حيث رتب للقاء مع ضباط من جيوشه المتناثرة. وعندما وصل لنهر السكريفيا Scirivia وجد مياهه وقد فاضت بدرجة كبيرة بسبب مياه الربيع، حتى أنه أجّل عبور النهر وبات ليلته في تور دي جارو فولو Torre di Garofolo. وكان هذا التأخير من حُسن حظه فلو أنه واصل طريقه الى فوجيرا Voghera لكان من المحتمل ألا يصل إلى مارينجو في الوقت المناسب لإصدار الأمر الذي يوفِّر يوما.

وفي وقت باكر من يوم 14 يونيو أمر ميلاس جيشه بالتقدم في سهل مارينجو وأن يشق طريقه إلى بياسنزا Piacenza ففاجأت قوات نمساوية قوامها 30,000 مقاتل القوات الفرنسية بقيادة فكتور ولانز ومورو البالغ عددها 20,000 مقاتل، وتراجع الفرنسيون رغم بطولتهم المعتادة أمام وابل قذائف المدفعية التي أهلكت منهم عدداً كبيراً، واستيقظ نابليون في جاروفولو Garofolo على صوت المدافع التي وصلت إلى أسماعه من مكانها البعيد فأرسل مبعوثاً لاستدعاء ديزييه Desaix من نوفي Novi واندفع هو نفسه إلى مارينجو وهناك خاضت قواته المكونة من 800 مقاتل من حرسه معركة شرسة لكنها لم تستطع وقف النمساويين، وواصل الفرنسيون تراجعهم إلى سان جوليانو Guliano. وكان ميلاس متعجلاً لطمأنة الإمبراطور فأرسل رسالة إلى فيينا يعلن فيها أنه حقق النصر، وانتشر التقرير نفسه في باريس مما سبب ذعراً للعامة وفرحاً لأنصار الملكية.

لقد جرى ما جرى بدون ديزيه Desaix الذي لم يعمل النمساويون له حساباً، وسمع ديزيه أيضاً وهو في الطرق إلى نوفي Novi دمدمة المدافع فعاد فجأة على رأس قواته البالغ عددها 5,000 مقاتل في اتجاه أصوات الدمدمة ووصل إلى سان جوليانو Giuliano في الثالثة بعد الظهر فوجد اخوانه الجنرالات ينصحون نابليون بالتراجع أكثر فأكثر فاحتج فقالوا له لقد خسرنا المعركة فقال هذا صحيح، لكن الساعة الآن الثالثة بعد الظهر فقط وهناك وقت لكسب معركة أخرى(14) فوافقوه ونظم نابليون خط هجوم جديد وركب حصانه بين الجنود لرفع روحهم المعنوية وقاد ديزيه Desaix العملية فتعرض لطلقة من نيران العدو وخرّ من فوق حصانه وأوصى وهو يموت من يليه في القيادة اخف خبر مماتي، حتى لا يؤثر في معنويات الجنود(24) ومع أن الجنود قد علموا بموته إلاّ أن ذلك لم يؤثر فيهم سلباً بل جعلهم يندفعون صائحين أنهم سيثأرون لمقتل قائدهم. ومع هذا فقد واجهوا مقاومة لاتكاد تلين. فلما رأى نابليون ذلك أرسل إلى كيلرمان Kellermann تعليمات بالتوجه بكل قوة الخيالة التي معه لإنقاذ الرجال، فانقض بقواته بشراسة على جناح الجيش النمساوي فشقه قسمين واستسلم 2,000 منهم وتم أسر الجنرال فون تساخ Von Zach الذي كان يقود الجيش بدلاً من ميلاس الغائب، وسلّم تساخ سيفه إلى نابليون، واستُدعي ميلاس من أليساندريا ليأتي متأخراً بحيث لا يستطيع تغيير نتيجة المعركة فعاد منكسر القلب حزيناً إلى مقره.

ولم يكن نابليون ليستطيع أن يسعد تماماً بهذا النصر لقد خسر خسارة شخصية أثّرت فيه تأثيراً عميقاً بموت ديزيه Desaix المخلص بالاضافة إلى كثيرين من الضباط الآخرين الذين لاقوا حتوفهم مع ستة آلاف فرنسي في سهل مارينجو Maringo Plain ولم يشف غليله موت ثمانية آلاف نمساوي هناك في اليوم نفسه، فنسبة القتلى النمساويين إلى إجمالي عدد القوات النمساوية كانت أقل من نسبة القتلى الفرنسيين إلى إجمالي عدد القوات الفرنسية.

وفي 15 يونيو طلب البارون فون ميلاس من نابليون عقد هدنة بعد أن أدرك أن ما تبقى من قواته في حالة لا تسمح له بخوض معركة جديدة. وكانت شروط الهدنة قاسية إذ كان على النمساويين اخلاء كل ليگوريا Liguria وپيدمونت Piedmont، وكل لومبارديا إلى الغرب من منشيو Mincio ومانتوا Mantua وأن يعيدوا للفرنسيين كل الحصون في المناطق المسلحة. ويُسمح في مقابل ذلك بمغادرة القوات النمساوية محتفظة بشرفها العسكري كله، ووافق ميلاس على هذه الشروط التي ألغت حصاد كل فتوحاته في يوم واحد وأرسل إلى إمبراطور النمسا ملتمساً منه إبرام هذا الاتفاق. وفي 16 يونيو أرسل نابليون رسالة إلى فرانسيس الثاني يطلب منه السلام على كل الجبهات. وبعض فقرات ذلك الخطاب لا يمكن أن تأتي إلاَّ من داعية للسلام:

.. لقد كانت هناك حرب بيننا. آلاف من النمساويين والفرنسيين قضوا نحبهم.. آلاف من الأسر المحرومة تدعو أن يعود الآباء والأزواج والأبناء!.. الشر لا علاج له، لكن عساه - على الأقل - يُعلمنا أن نتجنب كل ما قد يُطيل فترة العداء. لقد أثرت هذه المشاهد في قلبي لدرجة جعلتني أرفض قبول ما أحرزته من تقدم في السابق لآخذ على عاتقي الكتابة إلى جلالكتم مرة أخرى متوسلاً إليك أن تضع نهاية لمآسي أوروبا.

في ميدان معركة مارنگو Marengo حيث يحيط بي الذين عانوا ويلات المعركة، وأنا في وسط 15,000 جثة، أتوسل إلى جلالكتم أن تسمع نداء الإنسانية وألا تسمح لأبناء أمتين قويتين يتسمون بالشجاعة، أن يذبح بعضهم بعضهم الآخر من أجل مكاسب أنتم تعلمون أنها لا تعني شيئا...

إن المعركة الحالية هي خير برهان على أن فرنسا ليست هي التي تهدد ميزان القوى. فكل يوم يؤكد أن إنجلترا هي التي تهدد ميزان القوى. إنجلترا التي احتكرت تجارة العالم وإمبراطورية البحار التي تستطيع منفردة التصدي لأساطيل روسيا والسويد والدنمرك وفرنسا وأسبانيا وهولندا متحدة.

إن اقترحاتي التي أظن من الصواب توجييها لجلالتكم هي:

  1. - أن تمتد الهدنة لتشمل كل الجيوش.
  2. - أن يتم إرسال مفاوضين من الطرفين إما للتفاوض سراء أم علناً، وفقاً لما تفضلونه، وأن تكون المفاوضات في مكان ما بين منيشو Mincio والشيز Chiese للموافقة على وسائل ضمان الاحتفاظ بأقل عدد من القوات ولتوضيح مواد معاهدة كامپو فورميو التي أظهرت التجربة أنها مواد غامضة...(34).

ولم يبد أن الإمبراطور قد تأثر، فمن الواضح أن الفاتح الشاب كان راغباً في ضمان مكاسبه التي حققها ولم يكن هناك ما يشير إلى أنه راعي الحياة الإنسانية عند خوضه معاركه. وربما لم يتوقف كل من الإمبراطور والقنصل الأول (نابليون) عن التساؤل عن كيفية تصرف النمساويين والفرنسيين في إيطاليا. ووضع البارون فون توجوت Von Thugut حداً واضحا لهذا الأمر بتوقيعه في 20 يونيو سنة 1800 معاهدة مع إنجلترا تضمن هذه الأخيرة تقديم عون مالي جديد للنمسا مقابل تعهدها بعدم التوقيع على معاهدة صلح منفرد مع فرنسا(44).

وفي هذه الأثناء كان نابليون يلعب بكل أوراقه فحضر قداساً مهيباً (قداس تسبيحة الشكر) عبَّر فيه رجال الدين في ميلان عن شكرهم الله لخروج النمساويين من بلادهم. واحتفلت الجماهير بإقامة الاستعراضات على شرف محقق النصر (نابليون) وسأل نابليون سكرتيره بورين: هل سمعت يا بورين التهليل والبهجة؟ إن أصداءها لا تزال تدوي. إن هذه الأصوات عندي في مثل حلاوة صوت جوزفين. كم أنا سعيد وفخور أن يحبني مثل هؤلاء الناس!(54). لقد كان لا يزال في إيطاليا عاشقاً للغتها مفتوناً بالجمال والعاطفة والبساتين المزدانة والدين المرن المتساهل والطقوس الشجية والألحان الغامضة. لكن ما حرّك مشاعره أيضاً هو تصفيق الجماهير التي تجمعت أمام قصر التوليري في 3 يوليو في الصباح الذي أعقب عودته ليلاً إلى باريس، فقد بدأ الشعب الفرنسي يعتقد أن الله يختصه، فشربوا بشغف حتى الثمالة من كأس العظمة.

أما لويس الثامن عشر الذي ورث قروناً من العداء بين بوربون فرنسا، وهابسبرج النمسا، فلم يستطع أن يكون محايداً - إلاّ بالكاد - إزاء هذا النصر الجديد الذي حققه نابليون على أعداء البوربون القدماء، وربما أيضاً رغبة منه في أن يكون نابليون هو صانع الملك، لا الملك نفسه، لذا فقد كتب (لويس الثامن عشر) مرة أخرى إلى نابليون في يوم غير معروف من صيف سنة 1800:

لابد أنّك مقتنع أيها الجنرال منذ فترة طويلة أنني أكن لك تقديراً كبيراً. وإن شككت في تقديري لفضلك وعرفاني بجميلك، فحدد جائزتك التي تريدها وحدّد نصيب أصدقائك. فأنا فرنسي بمبادئي، رحيم بحكم شخصيتي، وبحكم ما يمليله العقل أيضاً.

لا، فمحقق النصر في لودي Lodie وكاستليون Castiylione وأركول Arcole وفاتح إيطاليا ومصر، لا يمكن أن يفضل الشهرة الزائفة على المجد الحقيقي. لكنك تضيّع وقتاً ثميناً. إنه يمكننا أن نؤكد عظمة فرنسا، وأنا أتحدث بضمير جمع المتكلِّمين وأقول يمكننا لأنني في حاجة إلى عون بونابرت، وبونابرت لا يستطيع أن يفعل شيئاً بدوني.

أيها الجنرال إن أوروبا تنظر إليك والعظمة في انتظارك وإنني في شوق شديد لإعادة السلام لشعبي


—لويس

وقد أجاب نابليون على هذا الخطاب بعد فترة طويلة في 7 سبتبمر:

سيدي،

لقد تلقيتُ خطابك. وأشكرك على ملاحظاتك الرقيقة فيما يختص بشخصي. يجب أن تتخلى عن أي أمل في عودتك لفرنسا. فأنت إن عدت فسيكون ذلك على جثث مئات الألوف. ضَحِّ إذن بمصالحك الشخصية من أجل سعادة فرنسا وتحقيق السلام لها.. إن التاريخ لن ينسى. ولا أقول أنني لم أتأثر بمحنة أسرتك.. وسيسعدني أن أفعل ما أستطيع لأجعل حياتك في معتزلك (مكان تقاعدك) سعيدة ليس بها ما ينغِّص(74).

وكان لويس الثامن عشر قد أرسل خطابه من ملجأه المؤقت في روسيا، وربما كان هناك عندما تلقى القيصر بولس الأول في يوليو سنة 1800 من نابليون هدية تكاد تكون قد غيّرت مسيرة التاريخ. ففي خلال حرب سنة 1799 وقع حوالي ستة آلاف عسكري روسي في قبضة الفرنسيين فعرض نابليون على إنجلترا والنمسا (حلفاء روسيا) أن يُبادل بهم الأسرى الفرنسيين، فرفضتا(84). ولم تكن فرنسا بقادرة على الاستفادة منهم بطريقة شرعية، كما أن احتفاظها بهم سيكلفها الكثير من النفقات، فأمر نابليون بإلباسهم ملابس جديدة وتسليحهم وإرسالهم إلى القيصر دون أن يطلب أي مقابل لفعله هذا(94). فأجاب القيصر بول بعقد أواصر الصداقة مع فرنسا، وشكّل في 18 مارس سنة 1800 ضد إنجلترا العصبة الثانية للحياد المسلَّح the Second League of Armed neutrality. وفي 23 مارس سنة 1801 تم اغتيال القيصر بول فعادت الأمور سيرتها الأولى أي كما كانت قبل الهدية.

وفي هذه الأثناء رفض الإمبراطور النمساوي هدنة ألساندريا Alessandria وأرسل ثمانية آلاف مسلح بقيادة الجنرال فون بل‌گارد Bellegarde ليُحكم قبضته على طول مينشيو Mincio، فأجاب الفرنسيون بطرد النمساويين من توسكانيا Tuscany ومهاجمتهم في بافاريا Bavaria. في 3 ديسمبر سنة 1800 هزمت القوات الفرنسية بقيادة مورو Moreau والبالغ عددها 6,000 مقاتل القوات النمساوية البالغ عددها 65,000 في هوهنليندن Hohenlinden بالقرب من ميونخ Munich، هزيمة منكرة وأسرت 25,000 نمساوي حتى أن الحكومة النمساوية وقد أدركت أن عاصمتها فيينا باتت تحت رحمة مورو، اضطرت لتوقيع هدنة شاملة في 25 ديسمبر سنة 1800 ووافقت على الدخول في مفاوضات مع الحكومة الفرنسية للوصول إلى سلام مُنفصل (منفرد) بعيداً عن القوى الأوروبية الأخرى المناوئة لفرنسا. وعند عودة مورو إلى باريس لاقى استقبالا حافلاً وهتافات مدوية بدرجة ربما أثارت بعض المشاعر المضادة لدى نابليون، لأن مورو Moreau كان أثيراً لدى الملكيين واليعاقبة على سواء وكانوا يفضلون أن يكون رأساً للدولة.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التمهيد للحرب ضد النمسا

الحرب بين فرنسا وهابسبورگ

صراع النمسا وفرنسا في جنوب غرب ألمانيا

التحالف النمساوي الروسي

الإضطراب في فرنسا

استمرت المؤامرات ضد حياة نابليون لا ترعوى، ففي بواكير سنة 1800، تم العثور على صندوق نشوق يُشبه صندوق النشوق الذي اعتاد القنصل الأول على استخدامه، في درج مكتبه في مالميزون Malmaison، وكان هذا الصندوق يحوي سماً مخلوطاً بالنشوق(05). وفي 14 سبتمبر و 10 أكتوبر تم القبض على عدد من اليعاقبة المشتركين في مؤامرة لقتل نابليون. وفي 24 ديسمبر قاد ثلاثة من الثوار الملكيين - أرسلهم جورج كادودال Cadoudal من بريطانيا - آلة مفخخة محملة بالمتفجرات واقتحموا بها الجموع التي كانت تحمل نابليون وأسرته إلى دار الأوبرا، فقتلوا اثنين وعشرين شخصا وجرحوا ستة وخمسين ولم يُصب نابليون ولا أحد من حاشيته، وواصل نابليون طريقه إلى الأوبرا بهدوء ظاهر لكنه أمر عند عودته لقصر التوليري بإجراء تحريات دقيقة وبإعدام اليعاقبة المسجونين بالإضافة إلى نفي أو اعتقال 130 آخرين، كانوا موضع شك، أما فوشيه Fouché الذي كان يعتقد أن الملكيين - وليس اليعاقبة - هم المجرمون فقد اعتقال مائة منهم وأرسل للمقصلة اثنين في أول أبريل سنة 1801. لقد تجاوز نابليون القانون وتخطاه، لكنه كان يشعر أنه يخوض حربا وأن عليه أن يبث شيئا من الرعب في قلوب رجال كانوا هم أنفسهم يحتقرون القانون. لقد زاد عداؤه تدريجياً لليعاقبة وأصبح شيئاً فشيئاً متساهلاً مع الملكيين.

وفي 20 أكتوبر سنة 1800 أوعز إلى مساعديه بأن يشطبوا من قائمة المهاجرين إثر أحداث الثورة الفرنسية أسماء المسموح لهم بالعودة إلى فرنسا وأن يستردوا ما صادرته الدولة منهم إذا لم تكن الحكومة قد باعته أو خصصته للاستعمال الحكومي. لقد كان هناك الآن حوالي 100,000 مهاجر كان كثيرون منهم قد طلبوا الإذن بالعودة إلى فرنسا. ورغم احتجاج المعارضين الذين سبق لهم أن اشتروا الممتلكات المصادرة سمح نابليون لعدد بلغ 49,000 من هؤلاء المهاجرين بالعودة. وأكثر من هذا فقد كان يجري شطب أسماء أخرى من قائمة الممنوعين من العودة بين الحين والآخر أملاً في تقليص العداء الخارجي ضد فرنسا، وأملاً في إحلال السلام العام في أوروبا. وابتهج الملكيون لذلك، أما اليعاقبة فازدادوا كمداً.

وكانت الخطوة الأولى في برنامج السلام هذا هو اجتماع المفاوضين الفرنسيين والنمساويين في لونڤيل Luneville (بالقرب من نانسي Nancy). وأرسل نابليون أخاه جوزيف لعرض حُجج فرنسا هناك، ولم يُرسل تاليران، وقد قام جوزيف بمهمته خير قيام. وكان نابليون يؤيده في كل خطوة تأييداً راسخاً ينطوي على التصميم، فكانت طلباته من الجانب النمساوي تزداد إذا لمس منه أي تأخير. وأخيراً استسلم النمساويون ووقعوا على ما أسموه - بسوء فهم - سلام لونيفيل المرعب في 9 فبراير سنة 1801 بعد أن رأوا جيوش فرنسا تبتلع كل إيطاليا تقريباً ورأوها تدق أبواب فينا. واعترفت النمسا بتبعية بلجيكا ولوكسمبورج والأراضي الواقعة على طول الضفة الغربية للراين من بحر الشمال إلى بازل لفرنسا. وأقرت ما سبق أن ورد في معاهدة كامبوفورميو Campoformio واعترفت بسيادة فرنسا على إيطاليا فيما بين جبال الألب ونابلي وما بين الأديج Adige ونيس Nice كما اعترفت بالحماية الفرنسية على جمهورية باتاڤيا (هولندا) وجمهورية هلڤتيا (سويسرا). لقد كتب الوزير البروسي هوجفتس Haugwitz: لقد اتفقت النمسا الآن اتفاقاً منفرداً مع فرنسا لإقرار السلام في أوروبا(15) وارتفعت بورصة باريس عشرين نقطة في يوم واحد وراح عمال باريس يفضلون الانتصارات أكثر من تفضيلهم للتصويت في الانتخابات، يهتفون لإنجازات نابليون على الصعيدين السياسي والحربي، عاش نابليون. وعلى أية حال فربما كانت لونيفيل معركة حربية أكثر منها انتصارات دبلوماسية. لقد كانت لونيفيل انتصارا للكبرياء على التدبر والتعقل ففيها كمنت بذور حروب كثيرة انتهت بواترلو Waterloo.

وثمَّة مفاوضات أخرى جلبت لفرنسا مزيداً من القوة فبناء على الاتفاق مع أسبانيا في أول أكتوبر سنة 1800 أصبحت لويزيانا Louisiana تابعة لفرنسا. وأدت معاهدة فلورنسا (18 مارس سنة 1800) مع ملك نابلي إلى أن أصبحت جزيرة إلبا Elba وممتلكات نابلي في وسط إيطاليا تابعة لفرنسا، وأدَّت المعاهدة نفسها إلى اغلاق موانئ نابلي في وجه التجارة البريطانية والتركية. وأدّى الإدعاء الفرنسي القديم في سان دومينجو St. Domingue - القسم الغربي من هسبانيولا Hispanida - إلى دخول نابليون في صراع مع رجل يكاد لا يقل عنه في قوة الشخصية. إنه فرانسو-دومينيك توسين Francois Dominique Toussaint الذي وُلد كعبد زنجي في سنة 3471 وقاد عبيد سان دومنيجو وهو في سن الثامنة والأربعين - وهي سن يفترض أن بالغها يتسم بالحذر - في ثورة ناجحة، واستولى على الجانب الفرنسي من الجزيرة ثم على الجانب الاسباني منها. وحكم الجزيرة باقتدار لكنه وجد صعوبة في ضبط النظام المؤدي لكثرة الانتاج بين العبيد المحررين الذين كانوا يفضلون حياة البطالة ويبدو أن ذلك بسبب الحرارة. وسمح توسين Toussaint لكثير من الملاك السابقين بالعودة إلى مزارعهم وأسس نظام عمل يكاد يكون قائما على العبودية. وقد اعترف من الناحية النظرية بالسيادة الفرنسية على سان دومنجو St. Domingue اما من الناحية العملية فإنه - على أية حال - احتفظ بلقب الحاكم العام طوال حياته كما احتفظ بحقه في توليه من يخلفه، تماما - إلى حد كبير - كما سيفعل نابليون بعد فترة وجيزة في فرنسا. وفي سنة 1801 أرسل القنصل الأول (نابليون) عشرين ألف عسكري بقيادة الجنرال شارل لكلير Leclere لإعادة بسط السيادة الفرنسية في سان دومنجو St. Domingue، لكن توسين واجه هذه القوات بشراسة ومع هذا فقد لاقى الهزيمة ومات في جيل Jail في فرنسا (سنة 1803). وفي سنة 1803 وقعت الجزيرة كلها في يد بريطانيا.

وقد ظل الأسطول البريطاني - يدعمه التفوق البريطاني في مجالي التجارة والصناعة - هو العقبة الكأداء التي تعوق نجاح نابليون طوال فترة حكمه فيما خلال عامين اثنين. لقد كانت بريطانيا تستطيع أن تزوّد بالأموال جيوش حلفائها في أوروبا في محاولاتهم المتكررة للإطاحة بنابليون، فقد كانت إنجلترا قابعة وراء القنال الإنجليزي غير معرضة للدمار الذي تسببه الحرب، ثرية بفضل تجارتها البحرية التي لا ينافسها فيها أحد وعوائد مستعمراتها وسبقها في الثورة الصناعية. لقد اتفق التجار والصناع مع الملك جورج الثالث والتوريين Tories (حزب المحافظين البريطاني) والمهاجرين الفرنسيين الذين اضطروا لترك فرنسا إثر أحداث الثورة الفرنسية وإدموند برك Burke - على أن عودة أسرة البوربون إلى عرش فرنسا هي الطريقة المثلى لإعادة الاستقرار إلى نظم الحكم القديمة (غير الثورية) ومع هذا فإن الجناح المعارض للتوريين (المحافظين) وكان يشكل في إنجلترا أقلية قوية بقيادة تشارلز جيمس فوكس Charles James Fox وكان يمثل الاتجاه الليبرالي الراديكالي ويضم رجالا يتسمون بالبلاغة وحُسن البيان - اعترض على أساس أن الحرب المستمرة ستنشر الفقر وتحرض على الثورة، وعلى أساس أن نابليون أصبح الآن أمراً واقعاً، وعلى أساس أن الوقت قد حان لإيجاد تسوية مؤقتة مع قائد المرتزقة الذي لا يقهر (المقصود نابليون).

وأكثر من هذا فقد راحوا يسوقون الأدلة على أن مسلك بريطانيا كسيدة للبحار قد خلق لها أعداء أصبحوا أصدقاء لفرنسا. وادعى الأدميرالات البريطانيون أن حصارهم لفرنسا يعطيهم - ومن معهم من بحارة - الحق في تفتيش السفن المحايدة ومصادرة البضائع المتجهة إلى فرنسا، وقد امتعضت كل من روسيا والسويد والدنمرك وبروسيا من هذا التصرف واعتبرته انتهاكا لسيادتها وكوَّنت في ديسمبر سنة 1800 عصبة الحيادة العسكري الثانية Secand Laege of Armed Neutrality واقترحت مقاومة أي تعرض بريطاني لسفنها من الآن فصاعداً. أما وقد ازدادت حدة الخلاف، فقد استولى الدنمركيون على هامبورج Hamburg (التي كانت قد أصبحت الباب الرئيسي لبريطانيا المفضي إلى وسط أوروبا)، واستولى البروسيّون على هانوفر Hanover التابعة لجورج الثالث. وأخيراً أصبح نصف أوروبا الذي كان معادياً لفرنسا، معادياً لانجلترا الآن. ولأن فرنسا كانت بالفعل تسيطر على مصبات الراين وشاطئه الشمالي، فقد أصبحت البضائع البريطانية لا تجد سبيلها - إلى حد كبير جدا - لأسواق فرنسا وبلجيكا وهولندا وألمانيا والدنمرك ودول البلطيق وروسيا. وأغلقت إيطاليا موانئها في وجه التجارة البريطانية. وكانت اسبانيا متذمرة بسبب جبل طارق، وكان نابليون يكوّن جيشاً ويبني أسطولاً لغزو إنجلترا.

وحاربت إنجلترا عن مؤخرتها، وربحت من تغيّر اتجاه الاحداث، لقد دمر أسطول بريطانيا أسطولاً دنماركياً في ميناء كوبنهاجن (في 2 أبريل سنة 1801). وَخَلَف القيصر بول الأول، القيصر اسكندر الأول Alexander I الذي غيَّر سياسة سلفه نحو فرنسا، وأدان غزو نابليون لمصر واعترف بالسيادة الإنجليزية على مالطة بعد أن كانت في يد الفرنسيين. ووقع مع إنجلترا معاهدة في 17 يونيو سنة 1801، وهكذا انهارت العصبة الثانية للحياد العسكري، ومع هذا فإن توقف الازدهار الاقتصادي في بريطانيا وتضخم الجيش الفرنسي في بولونيا وانهيار النمسا رغم المعونات المالية الباهظة التي قُدمت لها - كل ذلك جعل إنجلترا تجنح للسلم. ففي أول أكتوبر سنة 1801 وقَّع مفاوضوها اتفاقاً مبدئياً تتعهد فيه فرنسا بتسليم مصر إلى تركيا (الدولة العثمانية)، وأن تُسلم بريطانيا جزيرة مالطة في ظرف ثلاثة أشهر لفرسان القديس يوحنا Kinghts of St. John وكان لابد أن تستعيد كل من فرنسا وهولندا وأسبانيا معظم مستعمراتها التي سُلبت منها، وكان على فرنسا أن تسحب كل قواتها من وسط إيطاليا وجنوبها. وبعد سبعة أسابيع من المناقشات وقعت بريطانيا العظمى وفرنسا معاهدة السلام في إميان - تلك المعاهدة التي طال انتظارها - في 27 مارس سنة 1802. وعندما وصل ممثل نابليون إلى لندن بالوثائق مصدقة أخذت الجماهير السعيدة بألجمة خيوله وسحبت العربة إلى وزارة الخارجية وسط هتافات عاشت الجمهورية الفرنسية! عاش نابليون(25).

وكانت الجماهير الفرنسية مفعمة حماساً شاكرة وممتنة للرجل الشاب (نابليون) الذي لم يتجاوز الثانية والثلاثين من عمره، والذي وضع - بألمعيّة - نهاية لحرب استمرت عشر سنين. لقد سبق أن اعترفت أوروبا كلها بمقدرته كجنرال، وهاهي ترى الآن أن هذا العقل الصافي نفسه، وهذه الإرادة الراسخة، تتألقان في مضمار الدبلوماسية أيضاً. ولم تكن إميان Amieus سوى البداية، ففي 23 مايو سنة 1802 وقَّع نابليون معاهدة مع بروسيا وفي اليوم التالي مع بافاريا وفي 9 أكتوبر مع تركيا (الدولة العثمانية) وفي 11 أكتوبر مع روسيا، وعندما اقترب التاسع من نوفمبر - الذكرى السنوية للثامن عشر من الشهر الجمهوري برومير Brumaire - رتِّب الأمور للاحتفال به كمهرجان للسلام. وفي هذا اليوم أعلن بسعادة هدف جهوده: إن الحكومة إيماناً منها بطموحاتها وتنفيذاً لوعودها لن تستسلم للمشروعات المنطوية على المخاطرة. إن واجبها كان هو استعادة الهدوء، لتعمل على ترسيخ العلاقات القوية والأبدية بين الأسرة الأوروبية الكبيرة لتشكيل أقدار العالم(35) وربما كانت هذه اللحظة هي أرقَّ لحظة في تاريخه.


انظر أيضاً

الحروب الثورية الفرنسية:

المراجع

هوامش واستشهادات

  1. ^ خطأ استشهاد: وسم <ref> غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة Blanning4159


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قائمة المراجع

  • Acerbi, Enrico. "The 1799 Campaign in Italy: Klenau and Ott Vanguards and the Coalition’s Left Wing April–June 1799". Napoleon Series, Robert Burnham, editor in chief. March 2008. Accessed 30 October 2009.
  • (بالألمانية) "Klenau, Johann Graf“ in: Allgemeine Deutsche Biographie, herausgegeben von der Historischen Kommission bei der Bayerischen Akademie der Wissenschaften, Band 16 (1882), ab Seite 156, Digitale Volltext-Ausgabe in (Version vom 27. Oktober 2009, 21:33 Uhr UTC).
  • Arnold, James R. Napoleon Conquers Austria: the 1809 campaign for Vienna, 1809. Westport: Conn: Praeger, 1995, ISBN 1995978-0-275-94694-4.
  • Ashton, John. English caricature and satire on Napoleon I. London: Chatto & Windus, 1888.
  • Atkinson, Christopher Thomas. A history of Germany, 1715–1815. London: Methuen, 1908.
  • (بالألمانية) Bernau, Friedrich. Studien und Materialien zur Specialgeschichte und Heimatskunde des deutschen Sprachgebiets in Böhmen und Mähren. Prag: J.G. Calve, 1903.
  • Blanning, Timothy. The French Revolutionary Wars. New York: Oxford University Press, 1996, ISBN 0340569115.
  • Boué, Gilles. The Battle of Essling: Napoleon's first defeat? Alan McKay, Translator. Elkar, Spain: Histoire & Collectgions, 2008. ISBN 978-2-35250-0551.
  • Boycott-Brown, Martin. The Road to Rivoli. London: Cassell & Co., 2001. ISBN 0-304-35305-1.
  • Bruce, Robert B. et al. Fighting techniques of the Napoleonic Age, 1792–1815. New York: Thomas Dunne Books, St. Martin's Press, 2008, 978-0312375874
  • Castle, Ian. The Battle of Wagram. The Napoleon Foundation 2009. Also found in (بالألمانية) Zusammenfassung der Beitraege zum Napoleon Symposium "Feldzug 1809", Vienna: Heeresgeschichtlichen Museum, 2009, pp. 191–199.
  • Chandler, David. The Campaigns of Napoleon. New York: Macmillan, 1966. ISBN 978-0025236608.
  • (بالألمانية) Haan, Hermann. Die Habsburger, Ein biographisches Lexikon. München: Piper 1988.
  • Dill, Marshall. Germany: a modern history. Ann Arbor: University of Michigan Press, 1970. ASIN B000NW7BFM
  • Dyer, Thomas Henry. Modern Europe from the fall of Constantinople to the establishment of the German Empire, A.D. 1453–1871. London: G. Bell & Sons, 1877.
  • (بالألمانية) Ebert, Jens-Florian. "Klenau". Die Österreichischen Generäle 1792–1815. Napoleon Online.DE. Accessed 15 October 2009. Accessed 23 October 2009.
  • (بالفرنسية) Feller, François-Xavier and François Marie Pérennès. Biographie universelle, ou Dictionnaire historique des hommes qui se sont fait un nom par leur talens, leur génie..., Paris: Éditeurs Gauthier frères, 1834. Volume 4.
  • Gates, David. The Napoleonic Wars 1803–1815. New York: Oxford University Press, 1997, ISBN=0-340-61447-1.
  • Gill, John. Thunder on the Danube Napoleon's Defeat of the Habsburgs, Volume 1. London: Frontline Books, 2008, ISBN 978-184415-713-6.
  • (بالألمانية) Heermannm, Norbert (or Enoch), Johann Matthäus Klimesch, and Václav Březan. Norbert Heermann's Rosenberg'sche chronik. Prag, Köngl. Böhmische gesellschaft der wissenschaften, 1897
  • Herold, Stephen. The Austrian Army in 1812. In: Le Societé Napoléonienne. 1996–2003. Accessed 30 December 2009.
  • Hicks, Peter. The Battle of Aspern-Essling. History of Two Empires Reading Room. Napoleon Foundation, 2008. Accessed 9 December 2009.
  • Hochedlinger, Michael. Austria's Wars of Emergence 1683–1797. London: Pearson, 2003, ISBN 0582-29084-8.
  • Hofschroer, Peter, M. Townsend, et al. "Battle of Wagram 1809". Napoleon, His Army and Enemies. Accessed 7 December 2009.
  • Kagan, Frederick W. The End of the Old Order. Cambridge, MA: Da Capo Press 2006, ISBN 9780306815454.
  • Leggiere, Michael V. "From Berlin to Leipzig: Napoleon's Gamble in North Germany, 1813." The Journal of Military History, Vol. 67, No. 1 (January 2003), pp. 39–84.
  • de Marbot, Jean Baptiste Antoine (Baron), The Memoirs of General Baron De Marbot, Volume II, Chapter 23, no pagination. Electronic book widely available.
  • Menzel, Wolfgang. Germany from the Earliest Period. Mrs. George Horrocks, trans. 4th German edition, volume 3, London: Bohn, 1849.
  • (بالفرنسية) Naulet, Frédéric. Wagram, 5–6 juillet 1809, Une victoire chèrement acquise, Collections Grandes Batailles, Napoléon Ier Éditions, 2009.
  • (بالألمانية) Perkow, Ursula, "Der Schlacht bei Handshuhsheim". KuK Militärgeschichte. Lars-Holger Thümmler, editor. 2009. Accessed 28 November 2009.
  • Petre, F Loraine. Napoleons̓ last campaign in Germany, 1813. London: John Lane Co., 1912.
  • Pivka, Otto von. Armies of the Napoleonic Era. New York: Taplinger Publishing, 1979. ISBN 0-8008-5471-3
  • Phipps, Ramsay Weston. The Armies of the First French Republic, volume 5: The armies of the Rhine in Switzerland, Holland, Italy, Egypt and the coup d'état of Brumaire, 1797–1799, Oxford: Oxford University Press, 1939.
  • Rothenberg, Gunther E. Napoleon’s Great Adversary: Archduke Charles and the Austrian Army 1792–1814. Spellmount: Stroud, (Gloucester), 2007. ISBN 9781862273832.
  • Sked, Alan. "Historians, the Nationality Question, and the Downfall of the Habsburg Empire." Transactions of the Royal Historical Society, Fifth Series, Vol. 31, (1981), pp. 175–193.
  • Smith, Digby. The Napoleonic Wars Data Book. London: Greenhill, 1998. ISBN 1-85367-276-9
  • _____. Klenau. "Mesko". "Quosdanovich". Leopold Kudrna and Digby Smith (compilers). A biographical dictionary of all Austrian Generals in the French Revolutionary and Napoleonic Wars, 1792–1815. The Napoleon Series, Robert Burnham, editor in chief. April 2008 version. Accessed 19 October 2009.
  • _____. Charge! Great cavalry charges of the Napoleonic Wars. London: Greenhill, 2007. ISBN 978-1853677229
  • _____. 1813: Leipzig Napoleon and the Battle of Nations. PA: Stackpole Books, 2001, ISBN 1-85367-435-4.
  • Vann, James Allen. "Habsburg Policy and the Austrian War of 1809." Central European History, Vol. 7, No. 4 (December 1974), pp. 291–310, pp. 297–298.
  • (بالألمانية) Völkerschlacht-Gedenksteine an vielen Stellen in und um Leipzig, "Das Kolmberg-Denkmal bei Liebertwolkwitz". Farbfotos: www-itoja-de, Nov.2007. Accessed 28 November 2009.
  • Young, John D.D. A History of the Commencement, Progress, and Termination of the Late War between Great Britain and France which continued from the first day of February 1793 to the first of October 1801, in two volumes. Edinburg: Turnbull, 1802, vol. 2.

وصلات خارجية