جورج الأول من اليونان

جورج الأول (باليونانية: Γεώργιος Α΄, Βασιλεύς των Ελλήνων, Geórgios Α΄, ڤاسيليفس تون إلينون؛ إنگليزية: George I؛ عاش 24 ديسمبر 1845 – 18 مارس 1913) كان ملك الهلين من 1863 إلى 1913. وكان في الأصل الأمير الدنماركي، جورج في السابعة عشر من العمر عندما اُنتُخب ملكاً من قِبل الجمعية الوطنية اليونانية، التي أطاحت بالملك السابق اوتو. ترشيحه كان من وبدعم القوى العظمى (المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا، الامبراطورية الفرنسية الثانية والامبراطورية الروسية).

جورج الأول
King George of Hellenes.jpg
ملك الهلين
العهد30 مارس 1863 – 18 مارس 1913
سبقهاوتو
تبعهقسطنطين الأول
الدفن
المقبرة الملكية، قصر تاتوي، اليونان
الزوجOlga Constantinovna of Russia
الأنجالقسطنطين الأول من اليونان
الأمير جورج
الأميرة ألكسندرا
الأمير نيكولاس
الأميرة ماريا
Princess Olga
الأمير أندرو
الأمير كريستوفر
البيتبيت شلسڤيگ-هولشتاين-سوندربورگ-گلوكسبورگ
الأبكرستيان التاسع من الدنمارك
الأملويزه من هسه
الديانةلوثري
التوقيعتوقيع جورج الأول

وكأول ملك يوناني في الأسرة الحاكمة اليونانية الحديثة، تميز حكمه الذي استمر 50 عاماً (الأطول في التاريخ اليوناني الحديث) بمكاسب إقليمية أثناء تبوء اليونان مكانتها في اوروبا ما قبل الحرب العالمية الأولى. وقبل أسبوعين من عيد جلوسه الخمسين، وأثناء حرب البلقان الأولى، اُغتيل جورج الأول. وفي تناقض حاد مع عهده، ففترات حكم خلفائه كانت قصيرة ومضطربة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

اليونان في عهده

سبقت الإشارة إلى أن اليونان حصلت في 1864 على دستور جديد وعلى أسرة ملكية دانمركية. وآنذاك كانت الطموحات القومية تمثل القضية الكبرى التي يلتف حولها اليونانيين, ورغم الأزمات المتلاحقة التي كانت تواجه اليونان, إلا أنها إستطاعت تحقيق قليل من المستهدف خلا العقد التالي, ذلك أنها وجهت إهتماماتها ناحية الشمال تجاه مقدونيا وناحيةالجنوب تجاه جزيرة كريت. ففي 1881 وبمقتضى قرارات مؤتمر برلين (1878) حصلت اليونان على تساليا وجزء من إيبروس كما سبقت الإشارة . لكن تطلعهما لضم مقدونيا كان يحول دونه معاهدة سان ستيفانو التي إعتبرتها اليونان أسوأ حل ممكن لمشكلة مقدونيا لأن بلغاريا الجديدة وليس اليونان كانت محط آمال سلاف مقدونيا. كما كان توسع الصرب في الجنوب في ذات الوقت يمثل خطراً على اليونان فضلاً عن بقاء كريت تحت سيطرة العثمانيين. وحيث أنه لم تكن هناك قوة أخرى تنافس اليونان في المطالبة بضم كريت فقد ركزت اليونان على مقدونيا, كانت على إستعداد للتخلي عن مقدونيا في مقابل حصولها على كريت.

غير أن فقر اليونان الذي حال دون إمتلاكها القوة العسكرية الضرورية لتحقيق آمالها القومية الطموحة كان يمثل أحد العقبات الرئيسية لتقدمها. وفي هذا الشأن كانت اليونان في أسوأ وضع بالنسبة لمنافسيها بين دول البلقان, فلم تكن تملك أي أساس لإتخاذ سياسة خارجية قوية إذ كانت بلداً ريفياً نصف أراضيه غير صالحة للزراعة. وشأن بقية دول البلقان كانت تعتمد على أساليب بدائية في الزراعة, فالتربة فيها فقيرة لا تستطيع توفير الغلال اللازمة لحاجات الناس, والأرض المزروعة مقسمة لوحدات صغيرة يقوم أهلها بزراعة ما يسد رمقهم بالكاد. لكن بضم تساليا كسبت الدولة إقليماً زراعياً غنياً كان في السابق عبارة عن إقطاعيات كبيرة في حيازة ملاك مسلمين أتراك ولم يحدث أن تم توزيع هذه الإقطاعات على الفلاحين بعد أن تركها المسلمون, بل لقد وقعت في يد كبار ملاك الأراضي اليونانيين. وكانت تلك الإقطاعيات مثلما كان الحال في رومانيا تزرع بنظام المشاركة حيث يقوم الفلاح بفلاحة الأرض مقابل أن يعطي للمالك ثلث أو نصف المحصول. والحال كذلك فلم يكن هناك أي دافع أو حافز لإدخال تحسينات على أسلوب الزراعة بل لقد ظلت مساحات كبيرة عبارة عن أراضي مراعي.

كانت مشكلة اليونان أنها لكي توفر أمولاً لشراء القمح ومنتجات أخرى من الخارج لم يكن أمامها إلا تصدير الزبيب. وهنا كانت تكمن خطورة الإعتماد على غلة واحدة في السوق العالمي قد تتعرض لأية هزة لأسباب طارئة, وهو ما حدث فعلاً, فقد زادت صادرات الزبيب من 42 ألف طن عام 1861 إلى مائة وسبعمائة ألف طن في 1878 لأنه في ذلك العام هاجمت حشرة الفاكهة مزارع الكروم في فرنسا الأمر الذي جعل تجار النبيذ الفرنسيين يستوردون حاجتهم من الكروم من اليونان. على أن الحكومة الفرنسية بدأت تبذل جهودها لحماية محاصيلها الزراعية أمام المنافسة الخارجية, وفي 1892 وضعت تعريفة جمركية جديدة على الواردات أضرت بطبيعة الحال بصادرات اليونان من الكروم أو من النبيذ. وعلى هذا بدأت اليونان في البحث عن محصول بديل لمواجهة الأزمة فوجدته في الدخان ألأذي أصبح تجارة مهمة ورائجة ورئيسية بعد الحرب العالمية الأولى.

على كل حال . . لقد ظلت الأحوال الإقتصادية في اليونان قبل الحرب العالمية الأولى متخلفة ومتدهورة ففي 1870 كان هناك خط سكة حديد واحد طوله تسع كيلومترات ما بين أثينا وميناء بيرا Piraeus. ولم تتخذ أية خطوة تجاه التصنيع ففي عام 1875 كان هناك 89 مصنعاً فقط فضلاً عن مشكلة الديون التي وقعت فيها البلاد للصرف على نفقات الثورة وعلى الحكومات الأولى في عهد الاستقلال, بل إن الحكومات التالية إضطرت أيضاً للإستدانة من الخارج. وربما أدت هجرة أعداد كبيرة من اليونانيين إلى الخارج إلى تخفيف وطأة الأوضاع المالية السيئة فخلال تلك الفترة هاجر من البلاد حوالي نصف مليون إلى الولايات المتحدة الأمريكية, وأرسل هؤلاء أمولاً كافية للبلاد خلال الفترة من عام 1905-1914 كان من شأنها تعديل ميزان المدفوعات.

ومن ناحية أخرى كانت السياسات الداخلية للحكومات اليونانية تعكس بدقة المشكلات الرئيسية التي تواجهها, فقد ظل التوسع الإقليمي هاجساً قومياً عاطفياً عند تلك الحكومات, على حين كان المطلوب الإصلاح الداخلي والتنمية الإقتصادية. ولقد إتضحت معالم الجذب والشد بين هذين الإتجاهين (أي التوسع الإقليمي والإصلاح الداخلي) في الصراع السياسي الذي ساد العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر, وكذا في المنافسة الشديدة بين كل من خاريلاوس تريكوبيس Charilaos Trikoupes, وتيودور ديليانيس Deliyannes. ففي اليونان كما هو الحال بلاد البلقان الأخرى كانت الأحزاب السياسية عبارة عن مجموعات من الناس تتحلق حول شخص أكثر من أن تلتف حول برامج تنظيمية عكس ماكان قائماً في الغرب. وكان الملك جورج قد وافق في 1875 على مبدأ أن تتشكل الحكومات بواسطة أي حزب سياسي يتمتع باغلبية برلمانية. وبمقتضى هذا القرار برز إلى الساحة السياسية نوعان من الأحزاب, وشكل تريكوبيس أول حكومة من حكوماته السبع التي شكلها في حياته, ومن البداية كان محل معارضة قوية من كوموندوروس وأتباعه, ثم من حزب ديليانيس بعد عام 1885.

لقد وضع حزب تريكوبيس برنامجه الإصلاحي على أساس الحاجة لتحسين أوضاع اليونان الداخلية, وتمتع بتأييد المهنيين والتجار, وخلال فترة حكمه الكبرى من مارس 1882-أبريل 1885, ثم من مايو 1886 إلى نوفمبر 1890 قدم كمية كبيرة من التشريعات في هذا الخصوص. ورغم أنه لم يتردد في تعيين خلصائه وأتباعه في المناصب العامة, إلا أنه حاول بكل إخلاص تحسين الخدمات المدنية والنظام الإداري البلاد, إذ نجح في تعيين القضاة بشكل دائم, كما أصلح من شأن البوليس, وتبنى برامج للأشغال العامة لتوسيع الطرق والسكك الحديدية, وتسهيلات للموانيء, فضلا عن تقوية الجيش. وفي هذا الشأن إستقدمت حكومته بعثة عسكرية فرنسية لتدريب الجيش خلا المدة من 1844-1887.

لقد صادف تريكوبيس وضعاً لا يستهان به فقد كانت خططه الطموحة تتطلب أمولاً كثيرة إضطرته للوقوع في شرك القروض التي بلغت 630 مليون فرنك ذهبياً خلال الفترة من 1879-1890, وتضاعفت الضرائب على الأهالي بين عامي 1875-1895. كما تعرضت سياسته الخارجية لنقد شديد بسبب ميله للعمل تحت جناح بريطانيا وإتباع نصائحها التي كانت تقول بأسبقية التنمية الداخلية على التوسع الخارجي-القومي.

ونتيجة لحركة المعارضة ضد سياسة الحكومة في فرض الضرائب وضد سياستها الخارجية بشكل عام تم تكليف ديليانيس بتشكيل الحكومة ثلاث مرات في أعوام 1885, 1890, ثم في 1895. وقد ركز سياسته على التوسع القومي إبتزازاً للمشاعر القومية لدى الجماهير ولم يهتم بخطط الإصلاح الداخلي والتنمية. والحقيقة أن تداول السلطة بين هاتين المجموعتين الحزبيتين المتعارضتين, وتدهور الوضع الإقتصادي للبلاد كان كارثة حيث إزدادت المشكلة المالية سوءً. ففي عام 1892 كانت خدمة الديون تستهلك ثلث الميزانية حتى لقد أفلست اليونان تماماً في العام التالي (1893). وفي عام 1895 إعتزل تريكوبيس السياسة على أثر سقوطه في الإنتخابات ثم توفى في العام التالي وخلفه في رئاسة الحزب جورج ثيوتوكس Theotokes.

على أن تركيز ديليانيس على مجال السياسة الخارجية وإهمال الإصلاح الداخلي لم يأت بنتيجة إيجابية في مجال التوسع الإقليمي بل لقد فشلت سياساته في هذا الخصوص ففي نوفمبر 1885 وعندما دخلت الصرب الحرب إلى جانب بلغاريا وكان ديليانيس في السلطة كان اليونانيون شأن الصربيين يشعرون بأحقيتهم في ضم باقي إيبروس تعويضاً عن شرقي روميليا التي إلتهمتها بلغاريا. ولما لم يتحقق شيء من هذا بدأت اليونان في تعبئة الجيش إستعداداً للدخول في معركة والحصول على ما تريد بالقوة, لكن الدول الكبرى فيماعدا فرنسا تحركت بسرعة وطلبت من اليونان إيقاف التعبئة وعدم تحريك الجيش. وعندما رفضت اليونان الإمتثال فرض عليها حصار بحري في مايو (1886). ونظراً لفشل سياسة ديليانيس على ذلك النحو عاد تريكوبيس للحكم ولم يكن أمامه إلا الإستسلام للأمر الواقع ولم تكسب اليونان من تلك المغامرة إلا زيادة الضغط على الميزانية المرهقة بإضافة تكاليف التعبئة العسكرية التي تمت.

لقد ظلت الأهداف القومية الرئيسية لدى حكومات اليونان ثابتة ومحددة ليس فقط في الحصول على إپيروس ولكن الحصول أيضاً على مقدونيا وكريت بدرجة أقل. وحتى عام 1913 كانت مشكلة كريت تشغل حيزاً كبيراً في السياسات الداخلية إلى أن صبحت جزء من مملكة اليونان. والحاصل أنه بعد ثورة اليونانيين ضد الحكم العثماني في عشرينيات القرن التاسع عشر وضعت كريت تحت حكم محمد علي في مصر مكافأة له على دوره في إخماد الثورة، وظلت كذلك حتى رجعت إلى الدولةالعثمانية بمقتضى تسويات لندن عام 1840 التي جردت محمد علي باشا من كل سلطاته خارج حدود ولاية مصر. وبعد هذا أصبحت الجزيرة مسرحاً لحركات عصيان متكررة إختلطت فيها الأبعاد الإجتماعية والقومية بدرجة تشابهت في كثير من ملامحها مع الموقف في البوسنة والهرسك. وتتخلص المشكلة في أن نصف سكان كريت كانوا يونانيين تحول معظمهم إلى الإسلام بعد الغزو العثماني للجزيرة, وإمتلك المسلمون أجود الأراضي وأكبر الإقطاعيات, وكانت حركات التمرد والعصيان تحدث ضد سيطرة هؤلاء الملاك على الحياة السياسية والإقتصادية. وقد إنتهت الإنتفاضات التي حدثت في عامي 1841, 1858 بحصول أهالي الجزيرة على بعض مظاهر الحكم الذاتي في إطار السيادة العثمانية. وع ذلك فقد إستمرت حركة العصيان المسلح قائمة بين عامي 1866-1868.

على أن تلك الأحداث كانت تمثل ضغطاً كبيراً على ملك اليونان جورج الأول حيث كان رعاياه يتوقعون منه التصرف بقوة تجاه المسائل القومية. ولكنه وفي وسط تلك الأزمة تزوج منالدوقة أولجا الروسية (1867), وبالتالي كان يأمل في الحصول على بعض التأييد من روسيا في مجال الأهداف القومية. وفي 1868 أطلق على مولده إسم قسطنطين في إشارة إلى تركيز بيزنطة على "الفكرة الكبرى". ولكنه شأن سلفه الملك أوثون لم يكن بإمكانه التصرف ضد رغبات معظم الدول الكبرى. وعلى هذا فإن التدخل من جانبه فقط في شؤون كريت لميكن مطروحاً على الساحة بصرف النظر عن الضغوط الداخلية عليه بالتدخل. ورغم أن ثورة ستينيات القرن التاسع عشر إنتهت إلى تطبيق القانون الأساسي لعام 1868, ومع ذلك لم يهدأ الموقف ففي خلال الفترة من 1875-1878 وقع عصيان مسلح آخر جذب الإنتباه عن الأحداث الدرامية الكبرى التي كانت تحدث في بلاد اليونان.وفي أكتوبر 1878 وافقت الدولة العثمانية على ميثاق هاليبا Halepa Pact وهو عبارة عن إتفاق يدعو إلى إنتخاب جمعية تشريعية وفقاً لقواعد تضمن سيطرة المسيحيين عليها. وفي هذا الخصوص رشح السلطان العثماني شخصاً مسيحياً لحكم الجزيرة ووعد بإدخال إصلاحات اخرى. غير أن إستمرار التوتر أدى إلى عدم تطبيق هذا الإتفاق وعلى هذا تولى حكم الجزيرة حكام مسلمون خلال تسعينيات القرن التاسع عشر ولم يحدث أن إجتمعت الجمعيةالتشريعية أبداً.

على كل حال . . لقد ظلت مشكلة كريت جزء لا يتجزأ من سياسة حكومات اليونان التي كانت تواجه أكثر من مشكلة قومية. ففي 1894 تكونت الرابطة العرقية Ethnike Hetairia وكانت تستهدف تعزيز قضية القومية اليونانية وإنضم إليها ثلاثة أرباع ضباط الجيش. ورغم أنها كانت مهتمة أساساً بموضوع مقدونيا, إلا انها اقمت بدور في شؤون كريت حيث تحولت مكاتبها في انحاء اليونان لمراكز ترسل منها متطوعين وأسلحة للجزيرة من وراء ظهر الحكومة.

وفي 1896 وبعد عدة إضطرابات في الجزيرة وافق السلطان العثماني على إعادة العمل بميثاق هالـِپا Pact of Halepa مع وعد بإتخاذ إجراءات تؤدي إلى الحكم الذاتي. وفي الوقت نفسه وجدت الحكومة اليونانية نفسها تح ضغط هائل من الدول العظمى التيكانت ترغب في إيقاف تدفق المتطوعين والأسلحة لكريت من القوميين اليونانيين الذين كانوا يريدون فتح الباب لغزو الجزيرة. وفي فبراير 1897 أعلنت القوى الثورية في كريت وحدتهم مع اليونان وعلى الفور وصلت قوة من خمسة عشر ألف يوناني إلى الجزيرة. وفي مارس أعلنت الحكومة اليونانية برئاسة ديليانيس التعبئةالعسكرية, وفي أبريل دخلت القوات اليونانية الأراضي التركية وأصبح الجيش اليوناني تحت قيادة الأمير قسطنطين الإبن الأول لملك اليوان وأصبح الأسطول تحت قيادة الأمير جورج الإبن الثاني.

غير أن الحرب التي إستغرقت شهراً واحداً أوضحت مدى نقص التجهيزات والإستعدادات العسكرية لدى اليونان على حين أثبتت القوات العثمانية تفوقها الهائل, فضلاً عن أن اليونان لم تتلق أية مساعدات من جيرانها, فقد وقفت كل من الصرب وبلغاريا على الحياد تحت ضغط الدول الكبرى و خاصة روسيا والنمسا. وأمام توغل الجيش العثماني في تساليا بعمق تدخلت الدول العظمى لحفظ السلام حي ثتم توقيع الهدنة في مايو ومعاهدة صلح ف يدسيمبر (1897). ورغم أن اليونان خسرت الحرب, إلا أنها لم تعاني إلا قليلاً فقد تخلت فقط عن بعض المراكز على الحدود مع إعفائها من غرامة قدرها مائة مليون فرنكاً. أما فيما يتعلق بالمسألة الكريتية فقد وافقت الدولة العثمانية تحت ضغط الدول الكبرى على تقرير الحكم الذاتي في كريت، وتم تعيين الأمير جورج الإبن الثاني لملك اليونان في منصب المندوب السامي على كريت.

ورغم إحراز بعض التقدم في الشؤون السياسية بخصوص كريت, إلا أن الحرب تسببت في إهانة كبرى للأمة اليونانية. ومرة أخرى تصبح الأسرة الملكية هي كبش الفداء, إذ تعرض كل من الملك وإبنه الأمي رقسطنطين لهجوم شديد للمظهر المتواضع الذي ظهر به الجيش. وأكثر من هذا فقد أدت الأعباء المالية للحرب والحاجة إلى دفع غرامات مالية إلى فرض رقابة مالية دولية على البلاد, ومن ثم تكونت بعثة مراقبة دولية في أثينا لها حق جمع ضرائب معينة (لاحظ صندوق الدين في مصر زمن الخديو إسماعيل-المترجم). ولكن ورغم أن تلك الرقابة الدولية كانت ضربة في صميم كبراياء اليونان وتحجيماً لسيادة الدولة, إلا أن الموقف المالي للبلاد تحسن في السنوات التالية حيث تم تخفيض حجم الديون.

وهكذا دخلت اليونان القرن العشرين وهي في حالة من خيبة الأمل وعدم الرضا, ومع الإعتراف بالحاجة للإصلاح الإداري وتحسين أحوال الجيش, إلا أن المشكلة كانت تكمكن في عدم توفر الموال اللازمة للإقدام على أي شيء, فضلاً عن أن النظام السياسي القائم لم يكن في صالح النهضة القومية إن لم يكن معادياً, فخلال المدة من أبريل 1897 إلى ديسمبر 1905 تغيرت الحكومة عشر مرات ثم تشكلت حكومة برئاسة ثيوتوكيس الذي ظل رئيساً لحزب تريكوبيس حتى يوليو 1909. وفي مارس 1905 تم إغتيال ديليانيس وإنقسم حزبه إلى فريقين أحدهما برئاسة كيرياكوس مافرو ميخاليس Kyriakoulkes Mavro Michaels, والآخر برئاسة ديمتروس راليس Delerious Ralles فأصبح هناك ثلاثة احزاب فضلاً عن حزب رابع تشكل بقيادة زايميس Zaimes. ولم يكن تعدد الأحزاب يعني تغييراً في أسلوب الحكم إذ بقيت السياسات التقليدية كما كانت من قبل, حيث يقوم الحزب المنتصر في الإنتخابات بوضع أتباعه في مناصب الدولة وأجهزتها, وإستمرت المنافسات الشخصية والرشوة, والوساطة والمحسوبية والفوضى أحد سمات ملامح الحياة السياسية. كما أن الجمعية التشريعية أصابها الشلل بسبب مناورات العرقلة وإعاقة تطبيق اللائحة البرلمانية.

أما كريت فلم تكن أسوارها بأفضل من اليونان إذ سرعان ما إصطدم حاكمها الأمير جورج مع القوى السياسية بالجزيرة بمن فيهم إليوثيريوس فينيزيلوس Eleutherios Venizelos الذي سرعان ما أصبح الشخصية السياسية المهيمنة في البلاد. وإستمر أهالي كريت يأملون في تحقيق الوحدة مع اليونان enosis، ولم تكن حكومة اليونان تعارض هذا ولكنها كانت تخشى التدخل الدولي, كما لم تكن ترغب في أن تكون في وضع يضطرها لمبادلة سيطرتها التامة على كريت مقابل الأراضي السلافية في مقدونيا. ولهذا وبمجرد أن أعلنت الجمعية الكريتية في ربيع 1905 إتحاد الجزيرة مع اليونان تدخلت الدول الكبرى وعاد الأمير جورج حاكم الجزيرة إلى أثينا وتولى الحكم مكانه ألكسندر زايمس.

لقد أدت هزيمة الجيش اليوناني أمام القوات العثمانية إلى إدراك أن إصلاح الجيش أصبح أمراً جوهرياً. ففي مطلع 1900 كان عدد أفراده أكثر من 25 ألف مقاتل لكن أوضاعه لم تكن ترضي أحداً, وفي أبريل تم تعيين الأمير قسطنطين قائداً له بصلاحيات إعادة تنظيمه. وفي 1904 وضع برنامج لإصلاح الجيش أبقى على أفراد القوات المسلحة عند 25 ألف مقاتل معه زيادته إلى 60 ألف وقت الحرب, كما تم إدخال التحسينات اللازمة على البحرية. غير أن الأزمة المالية الدائمة حالت دون إتخاذ إجراءات أخرى في سبيل الإصلاح من حيث إعادة تجهيز تلك القوات بالأسلحة والمعدات اللازمة. ولهذا كان جيش اليونان أضعف من جيش الصرب أو بلغاريا وكانت مشكلة الأمير قائد الجيش رغبته في أن يلعب دوراً سياسياً.

على أن الإجراءات التي إتخذت في مطلع القرن العشرين بشأن تقدم الدولة وتحديثها لم تؤد إلى إنهاء حالة السخط المتزايدة وذلك بسبب بطء الإجراءات الواجب إتخاذها للتوسع القومي. وعلى هذا كان برنامج "حزب اليابان" (أخذ إسمه من انتصار اليابان على روسيا في 1905 وتقدم اليابانيين بسرعة في وقت ضئيل) بقيادة ايون دراجوميس Ion Dragoumes بعكس الرغبة العامة في التغيير, لكنه لم يحقق شيئاً بل سرعان ما إتفرط عقد أنصاره. ومن هنا يمكن فهم أحداث عام 1909* التي كانت في مجملها ضد تدهور العملة ووضع الصعوبات أمام عربة التقدم.

وفي يولية 1908 نشات أزمة بلقانية كبيرة بسبب إستيلاء جمعية تركيا الفتاة على السلطة في الدولة العثمانية حيث تبعها إعلان إستقلال بلغاريا, وقيام النمسا بضم البوسنة والهرسك. وكانت لهذه الأحداث التي سوف نناقشها في الفصل التالي عقابيل في ولايات الدولة العثمانية. ففي أكتوبر من العام نفسه أعلن الكريتيون مرة أخرى الإتحاد مع اليونان, لكن حكومة اليونان خشيت أن تستجيب تحسباً لتدخل الدول الكبرى. كما لم تستجب لإعلان كريت الإنضمام لليونان مرة أخرى في يوليو 1909, ومع ذلك تدخلت الدول الكبرى مرة أخرى.

والحاصل أن عجز الحكومة عن الإصلاح الداخلي والفشل الستمر في السياسة الخارجية أدى إلى وقوع إنقلاب عسكري قامت به منظمة تدعى "العصبة العسكرية" قوامها صغار الضباط من الوطنيين والقوميين بقيادة الكولونيل زورباس N.K.Zorbas الذي قاد حامية أثينا من ثلاثة آلف ضابط وجندي في مظاهرة عسكرية ضد الحكومة. ومثلما حدث ف يعامي 1843, 1862 أدت ثورة العسكريين إلى تغييرات كبيرة في الحياة السياسية في البلاد, إذ إستقالت حكومة راليس Ralles وخلفتها حكومة جديدة برئاسة كرياكوليس مفرو ميخاليسش الذي كان يتزعم مجموعة لها علاقات مع "العصبة العسكرية".

وفور وصول "العصبة" إلى الحكم أرادت إصدار تشريعات إصلاحية لكن أفرادها كانوا يعارضون وجود الأمراء على قيادة الجيش. ولما كان الضباط يدركون أن خبرتهم السياسية معدومة ولم تظهر بينهم قيادة يمكنها مباشرة السياسة, فقد إتجهوا إلى فينزيلوس السياسي الكريتي ليكون مستشاراً سياسياً للحكم الجديد, وكان قد جاء إلى أثينا في يناير 1910, وساعد الحكم الجديد في الدعوة إلى جمعية وطنية لتغيير الدستور. ورغم أن فيزيلوس كان يعمل مستشاراً للعصبة, إلا أنه كان يعرض الدكتاتورية العسكرية. ولهذا يبدو أن الملك عندما وافق على فكرة دعوة الجمعية الوطنية كانت موافقته تعني ضمنياً حل العصبة.

وعلى هذا الأساس قام فينزيلوس بتشكيل حكومته الأولى في أكتوبر 1910 ومنذ هذا التاريخ وحتى صيف 1912 من الهيمنة على سياسات اليونان, ولأنه أصر على ا، الجمعية ليس لها حق في تعديل الدستور فإن إصلاحاته لم تؤد إلى تغيير دستور 1964 تغييراً سياسياً, فأصبح الملك في وضع قوي. وإستهدفت التعديلات الدستورية 53 مادة تتعلق بتحسين الجهاز الحكومي القائم, ومن ذلك على سبيل المثال: حصول الموظفين على وظائف دائمة وتأسيس وزارة للزراعة, وجعل التعليم إلزامياً, وتعديل قاعدة الحد الأدنى لصحة إنعقاد الجمعية العامة من النصف إلى الثلث لمنع مناورات إعاقة الحركة عن طريق الغياب العمدي. وفي الوقت نفسه قدمت بعض مشروعات القوانين للإصلاحات الإجتماعية مثل قوانين المصالنع, ووضع حد أدنى لأجور التساء والأطفال, وتوزيع أراضي بعض الإقطاعيات الكبرى في تساليا. كما إهتم فينزيلوس إهتماماً كبيراً بإصلاح حال الجيش والبحرية وإحتفظ بتلك الوزارة لنفسه. وكانت الحصيلة النهائية للإصلاحات تحسن الموقف المالي بشكل عام, وتمتع فينزيلوس بشعبية كبيرة بدت واضحة في إنتخابات الجمعية العمويمة في مارس 1912 حيث حصلت أنصاره على 150 مقعداً نم إجمالي 181 مقعداً.

لقد كانت إصلاحات فينزيلوس إجراءات ثورية بكل المقاييس, ولكن النظام السياسي لم يتعرض إلا لتغييرات قليلة, حيث ظل النظام الملكي قائماً في الوقت الذي زاد هجوم اليونانيين عليه, ولكن أنشطة فينزيلوس أدخلت ملامح جديدة في الحياة السياسية القائمة من لذك أن حزبه كان منظماً على أساس جماهيري وله قيادة مركيزة, وإتسعت أجهزة الدولة الإدارية خلا سنوات حكومته, ولكن ظل كثير من العيوب قائماً وفي مقدمتها منح المناصب الرئيسية لأنصاره. ومهما يكن من أمر فلا شك أن هذه الحكومة حددت التوجهات وأعدت البلاد لحر بطويلة, وفي كلمة واحدة كانت علامة على خطوة محددة للأمام.


السلف


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الهامش

  1. ^ في وقت اغتيال الملك، كانت سالونيك جزءاً من الدولة العثمانية. المدينة اُعتُرف بها كجزء من اليونان في معاهدة بوخارست (1913) بعد خمسة أشهر.

المصادر

  • Campbell, John (1968). Modern Greece. London: Ernest Benn. {{cite book}}: Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)
  • Clogg, Richard (1979). A Short History of Modern Greece. Cambridge University Press.
  • Forster, Edward S. (1958). A Short History of Modern Greece 1821-1956 3rd edition. London: Methuen and Co. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameter: |coauthors= (help)
  • Van der Kiste, John (1994). Kings of the Hellenes. Sutton Publishing. ISBN 0-7509-2147-1.
  • Woodhouse, C. M. (1968). The Story of Modern Greece. London: Faber and Faber.
جورج الأول من اليونان
فرع أصغر من بيت اولدنبورگ
وُلِد: 24 ديسمبر 1845 توفي: 18 مارس 1913
ألقاب ملكية
شاغر
اللقب آخر من حمله
اوتو
بصفته ملك اليونان
ملك الهلين
30 مارس 1863 – 18 مارس 1913
تبعه
قسطنطين الأول

قالب:Princes of Schleswig-Holstein-Sonderburg-Glücksburg