تاريخ طبيعي

التاريخ الطبيعي histoire naturelle مصطلح واسع يشكل مظلة تغطي عدة فروع و اختصاصات علمية ذات علاقة بالكائنات الحية المتكاملة و دراستها والأرض وتاريخها الطبيعي. معظم التعريفات تجعل التاريخ الطبيعي يتضمن دراسة الكائنات الحية مشابها لعلم الأحياء بما فيه علم النبات و علم الحيوان لكن تعريفات اخرى تمدده ليشمل علم المستحاثات Paleontology و علم البيئة و أيضا أحيانا الكيمياء الحيوية يتداخل هذا أحيانا مع الجيولوجيا و علم الفلك و الفيزياء و حتى علم الطقس Meteorology .

Table of natural history, 1728 Cyclopaedia

يدرس التاريخ الطبيعي بشكل أساسي النباتات و الحيوانات ضمن بيئتهم مهتما بمستويات التعضي و أشكاله من الكائن الحي الفردإلى النظام البيئي بأشمله و يحاول التمييز بين الأنواع و تأريخ الحياة و تطورها إضافة للتوزع و توافر النوع و العلاقات المتبادلة بين الأنواع .

وهو يتمثل من الناحية الكلاسيكية الدارجة بمتاحف التاريخ الطبيعي التي تضم موضوعات العلوم الأساسية من: جيولوجية ونباتية وحيوانية وما يلحق بها من علوم كيمياوية وفيزيائية. علماً أن استعمال هذا المفهوم للتاريخ الطبيعي قد تراجع في الدراسات الحديثة أوالمعاصرة. ويعد بلين الأكبر ( 23-79 م) أبرز علماء التاريخ الطبيعي القديم الذي كتب التاريخ الطبيعي naturalis historia في 37 مجلداً، ولشغفه بالعلوم الطبيعية اقترب من بركان فيزوف عند ثورانه ليتأمله عن كثب فاختنق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التاريخ الطبيعي في الثقافة العربية الإسلامية

يتجلى الاتجاه العلمي للتاريخ الطبيعي الإسلامي في المؤلفات التي وضعها العلماء المسلمون في النبات والحيوان والمعادن. تصنف المؤلفات التي وضعت في هذا المجال في ثلاثة اختصاصات: الاختصاص اللغوي، والاختصاص الزراعي، والاختصاص الدوائي العلاجي الطبي أو الصيدلاني. والمؤلفات في علم الحيوان بمعناه الدقيق اليوم كانت قليلة، إذ إن كثيراً من هذه الكتب كانت تتناول فن الصيد والطراد وغيره من فنون الفروسية، إضافة إلى الطب البيطري.

أما الكتب المؤلفة في المعادن فمعظمها يتناول الأحجار الكريمة، وتعالج بصورة رئيسة القوى السحرية التي تنسب إلى بعض الأحجار الكريمة.

ومن أبرز مؤلفات المسلمين اللغوية في النبات «كتاب النبات» لأبي حنيفة الدينوري الذي كان أثره واضحاً في مؤلفات علماء المسلمين في الزراعة والفلاحة. كما ترجمت إلى اللاتينية مقتطفات مطولة من كتاب «الفلاحة النبطية» لابن وحشية، وترجمت إلى اللغة القشتالية في العصور الوسطى كتابات عالمين أندلسيين في الزراعة هما: ابن وافد (ت 467هـ / 1075م)، وابن بصال (ت 499 هـ / 1105م).

وقد اطلع المسلمون على معظم مؤلفات أرسطو في علم الحيوان، وألفوا كتباً مستقلة في هذا المجال: مثل «كتاب الحيوان» للجاحظ، وكتاب «طبائع الحيوان وخواصها ومنافع أعضائها» لعبيد الله بن جبريل بن بختيشوع، وكتاب «حياة الحيوان الكبرى» للدميري.

وقد حفظ جانب من مؤلفات العرب في «البيزرة» بطريقة غريبة، ذلك أن الفيلسوف تيودوروس Theodorus الذي يحتمل أن يكون قد أتى من أنطاكية، وعاش في بلاط الامبراطور فريدريك الثاني (1194-1250م)، خلَف ميكل سكوتش Michael Scotus على الأرجح في منصب منجم البلاط. وقد ترجم تيودوروس لسيده كتاباً واحداً على الأقل في البيزرة، ولا يزال هذا الكتاب موجوداً في مخطوطتين حتى اليوم، وكان كتاب البيزرة المترجم هذا هو الأساس الذي اعتمد عليه فريديريك في وضع مؤلفه الخاص قي هذا الموضوع والمعروف باسم «فن الصيد بواساطة الطيور» De Arte Venandi cum avirbus . ولم يكتف الامبراطور بذكر مصادر كتابه، بل قام بأبحاثه الخاصة في تصحيح المعلومات الواردة فيها.

كذلك فإن مؤلفات العرب المسلمين في خواص المعادن والأحجار أثارت اهتمام الغرب. وكان المؤلفون المسلمون يقبلون بشغف على الإفادة من «كتاب الأحجار» المنسوب لأرسطو، والذي توجد منه نسخ بالعبرية واللاتينية (نشرها جوليوس روشكا عام 1912). وقد لقيت المؤلفات العربية الإسلامية في المعادن والأحجار اهتماماً خاصاً من جانب حاكم عظيم آخر في القرن الثالث عشر هو ألفونسو العاشر ملك قشتالة الملقب بالعالم el Sabio، وكان ألفونسو رجل علم بحق ولا يزال كتابه المعروف «بالجواهر» Lapidario بين أيدي الباحثين في نسخة ملونة هي صورة طبق الأصل عن الكتاب المذكور.

أنتجت دراسة العلوم الطبيعية الثلاثة وهي: النبات والحيوان والجماد (الممثل بالمعادن والأحجار) مؤلفات متخصصة في هذه العلوم، وجُمعت المادة الناتجة منها في موسوعات خاصة بجميع العلوم التي تضاف إليها العلوم العامة التي تصف الكون General Cosmographies. ومن أبرز الكتب الموسوعية العربية كتاب «عيون الأخبار» لابن قتيبة الدينوري (276هـ/889م) الذي ترجم القسم الخاص بالحيوان فيه إلى الإنكليزية مع تعليق عليه من قبل المستشرق ف. س. بودن هايمر بالاشتراك مع ل. كوبف «القسم المتعلق بالتاريخ الطبيعي من كتاب : عيون الأخبار الذي ألفه في القرن التاسع الميلادي» The Book of Useful Knowledge, Natural History Sectio from a Ninth Century، باريس عام 1949.

ومن أبرز الموسوعات العربية الإسلامية التي تصف الكون مؤلف القزويني (ت682هـ/1283م) وعنوانه «عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات»، وقد بقيت هذه الموسوعة بأصلها المخطوط الموضح بصور أثارت فضول مؤرخي الفن. وكان القزويني هو المسلم الوحيد الذي أدخل في مؤلفاته الخرافة القائلة بوجود طيور تنمو على الأشجار وتعيش عليها طيور البرنقيل Barnacle Geese، وقد انتشرت هذه الخرافة على نطاق واسع في مؤلفات المسلمين واليهود والنصارى. ويرى جوزيف شاخت في مؤلفه «تراث الإسلام» The Legacy of Islam (أكسفورد 1974) احتمال أن يكون الامبراطور فريديريك الثاني الذي كان يصغر الملك ألفونسو العالم بعشر سنوات، قد وقف على تلك الأسطورة من مصدر آخر. فقد ذكر في كتابه أنه أرسل بعثة للنظر في حقيقة هذه المسألة، واستطاع أن يثبت أن لا أساس لها من الصحة. ومع ذلك فإن كتاب القزويني «عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات» يعد على جانب كبير من الأهمية، لأنه حاول أن يدخل المعلومات الإسلامية عن الملائكة والشياطين في تحليله لتركيب العالم، الذي اتخذ طابعاً علمياً. وقد استخدمت هذه الموسوعة مصدراً أفاد منه عالم قزويني آخر هو حمد الله المستوفي، الذي ولد بعد نحو ثمانين عاماً من وفاة زكريا القزويني، وألف حمد الله المستوفي مصنفه الموسوعي المعروف بـ «نزهة القلوب» بالفارسية. وترجم ج. ستيفنسون J.Stevenson القسم الخاص بالحيوان من هذا الكتاب إلى الإنكليزية عام 1928.

ظهرت في القرن الثالث عشر في الغرب موسوعات كونية مستمدة من الموسوعات الإسلامية أبرزها: الكتاب الذي ألفه توماس المنسوب إلى كانتمبري Thomas of Cantimpre في النصف الأول من القرن الثالث عشر، وهذا الكتاب موجود في طبعة ألمانية معدلة. وثانيها موسوعة المرآة Speculum المؤلفة من أربعة أجزاء، والتي ألفها فينسي دي بوفية (ت نحو 1296م) الذي يصغر توماس بقليل. وتحتوي هذه الموسوعة الكبيرة على عدد ضخم من الاقتباسات المنقولة عن مؤلفات إسلامية متنوعة.


التاريخ الطبيعي في الثقافة الغربية

برز مفهوم التاريخ الطبيعي الغربي في الثقافة الغربية في القرن السادس عشر، متأثراً بالثقافة العلمية الأندلسية. فقد نقلت مفاهيم التاريخ الطبيعي إلى الغرب بوساطة النباتي الإيطالي أندرياس سيزالبينوس Andreas Caesalpinus المتوفى عام 1603 والذي درس التاريخ الطبيعي على يد النباتي العربي الأندلسي الشهير أبو القاسم الوزير الغساني المتوفى عام 1610. وتعزز مفهوم التاريخ الطبيعي بمؤلف بوفون Buffon (جورج لويس ليكلير) (1707–1788) في «التاريخ الطبيعي» المتميز بأسلوبه الإنشائي. حاول بوفون وصف الطبيعة ككل، وساعده في ذلك برنار دو لاسيبيد Bernard de Lacepede (1756-1825)، وأنجزت عام 1804 في 44 مجلداً اقتصرت على وصف الفقاريات. وفي القرن التاسع عشر تصدى لامارك Lamarck لدراسة الحيوانات اللافقرية التي صدرت في 7 مجلدات مابين عام (1815-1825). واهتم كوفيه Cuvier بدراسة التاريخ الطبيعي الحيواني والمستحاث، وكان الأول الذي استبدل التاريخ الطبيعي بالعلوم الطبيعية.

تراجع مكانة مصطلح التاريخ الطبيعي

ينقسم العاملون في الدراسات الحياتية تجاه مصطلح التاريخ الطبيعي إلى قسمين: يرى البعض التاريخ الطبيعي من الأمور البديهية التي لا تحتمل الجدل، فالتاريخ الطبيعي موجود في تطور الأحياء على سطح الكرة الأرضية، وموجود في علوم أجنة الكائنات الحية، وفي آليات التوزع الجغرافي للكائنات الحية وأوساطها الطبيعية، وفي العلاقات بين الكائنات الحية. ويرى آخرون أنّ وصف الكائنات الحية شيء والتاريخ الطبيعي شيء آخر.

تبدو مكانة مصطلح التاريخ الطبيعي مقبولة، لأن المؤرخين الأوائل المحبّين للطبيعة كانوا من جامعي النبات أو الحشرات أو الطيور أو القواقع أو المعادن أوالفلزات، لقد جمع أولئك الرجال قوة الملاحظة مع دقة الوصف، والرغبة في الترحال والتجوال والاستكشاف، وتابعوا حياة الحيوان وشَدْو الطيور وحللوا سلوك الحيوان، وطرائق صيد الفرائس الغذائية، فوصفوا مملكة قائمة بذاتها.

لقد تبدلت الأمور في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، فلم يكتف العقل البشري بالمشاهدة والوصف، بل حاول بنجاح معالجة المادة الحية بخجلٍ أولاً، وبجرأة وجسارة بعد ذلك. لقد انطلق الأمر من التجربة الشهيرة التى أجراها أبراهام ترمبلي (1710-1784) Abraham Trembley، الذي أعاد تكوين الهدرية عام 1744، وبذلك تحول التاريخ الطبيعي من الحالة المنفعلة إلى الحالة الفاعلة، وصار الركيزة الأساسية للعلوم التجريبية. وهكذا أمسك علماء البيولوجية بالعمل المخبري التجريبي المعتمد على التقانات المتخصصة المعتمدة على الاستفادة من الأجهزة المتدرجة في التعقيد للتعرف على الظواهر البيولوجية الحياتية.

وقد نحت برامج التعليم الثانوي هذا المنحى التجريبي الجديد، واحتل مصطلح البيولوجية محل العلوم الطبيعية والتاريخ الطبيعي. وتولدت لدى كثير من البيولوجيين عقد ساخرة من علماء الطبيعة الذين نعتوا برجال المزمار والحقل والبيدر الحاملين علب جمع النبات وشبكات صيد الفراشات مع بعض الزجاجات الحاوية على مواد التثبيت.

بسبب العمران وانتشار الأبنية في كل مكان، غدت ملاحظة الكائنات الحية في مهودها الطبيعية من الأمور العسيرة، لا بل من الأمور المستحيلة لبعض الكائنات. كم من المستنقعات والبحيرات والبراري وسفوح الجبال والنباتات المائية والنباتات أليفات الجفاف اختفت إلى غير رجعة. كما أن تربية حيوانات الدراسات المخبرية أيسر من دراساتها في مواقعها الطبيعية. وغالباً ما يسخر بعضهم من التاريخ الطبيعي القديم معتقدين أن علم النبات وعلم الحيوان لا ينتظر من تقدمهما إلا القليل.

رد الاعتبار لمفهوم التاريخ الطبيعي

إن تطبيق الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية التنوع الحيوي[ر] قد رد الاعتبار إلى دراسات التاريخ الطبيعي التي توجهت نحو إقامة بنوك معلومات وطنية تلخص الحالة الراهنة للمعرفة الحيوية الخاصة بالأنواع النباتية والحيوانية للبلدان الموقعة على الاتفاقية المذكورة.

انظر أيضاً

المصادر

Citations and notes
General information
  • Allen, David Elliston (1994), The Naturalist in Britain: a social history, New Jersey: Princeton University Press, pp. 270, ISBN 0-691-03632-2 
  • Kohler, Robert E. Landscapes and Labscapes: Exploring the Lab-Field Border in Biology. University of Chicago Press: Chicago, 2002.
  • Mayr, Ernst. The Growth of Biological Thought: Diversity, Evolution, and Inheritance. The Belknap Press of Harvard University Press: Cambridge, Massachusetts, 1982.
  • Rainger, Ronald; Keith R. Benson; and Jane Maienschein, editors. The American Development of Biology. University of Pennsylvania Press: Philadelphia, 1988.
  • [1]

وصلات خارجية