تاريخ جزر القمر


تاريخ جزر القمر history of Comoros، يعود إلى 1.500 سنة مضت. على مدار هذه الفترة استوطنت جزر القمر بمجموعات مختلفة. استعمرت فرنسا الجزر في القرن 19. وفي النهاية حصلت جزر القمر على استقلالها عام 1975.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

السكان الأوائل

يعتقد أن أول من سكن جزر القمر كانوا مستوطنين من بولينسيا ومن ميلانيسيا ومن الملايو ومن إندونيسيا والأسترونيسيون وقد جاءوا عن طريق القوارب. واستقر هؤلاء في القرن السادس الميلادي وهو تاريخ أول موقع أثري معروف وجد في أنجوان، على الرغم من أن بعض المصادر تخمن أنه الاستيطان بدأ منذ أوائل القرن الأول[1]. وقد أصبحت جزر القمر مأهولة بسكان تحدروا من مجموعات مختلفة آتية من ساحل أفريقيا والخليج العربي وإندونيسيا ومدغشقر. وقد وصل المستوطنون السواحليون أولاً إلى الجزر كجزء من توسع البانتو الأكبر والذي حدث في إفريقيا خلال الألفية الأولى.


دخول الإسلام

 
مسجد في موروني عاصمة جزر القمر

ويقسم تطور نمو جزر القمر إلى مراحل زمنية تبدأ بالنفوذ السواحلى والاستيطان في مرحلة الدمبيني (من القرن التاسع إلى القرن العاشر الميلادي) والتي ظلت خلالها كل جزيرة عبارة عن قرية واحدة مركزية[2]. ومنذ القرن الحادي عشر إلى الخامس عشر، ازدهرت التجارة مع جزيرة مدغشقر وتجار الشرق الأوسط، وظهرت بعض القرى الأصغر وتوسعت المدن الموجودة. وقد صرح المواطنون والمؤرخون في جزر القمر أن أول استقرار للعرب يرجع إلى وقت أبكر من وصولهم المعروف إلى الأرخبيل، كما أن المؤرخين السواحليين كثيرًا ما يتتبعون الأنساب ويرجعونها إلى الأسلاف العرب الذين أبحروا من اليمن ومملكة سبأ القديمة في عدن التي يعتقد أنها عدن المذكورة في الكتاب المقدس. وعلى الرغم من ذلك، فإن الناس ليسوا متأكدين من صحة هذا الأمر. وكان التجار القادمون من الشرق الأوسط هم أول من قدم الإسلام إلى هذه الجزر.

قامت صلات تجارية بين العرب وشرقي أفريقيا من قديم الزمان، فلما انتشر الإسلام في بلاد العرب، انتقل إلى شرقي أفريقيا عن طريق التجار والدعاة والهجرات، وتزايد انتقال المسلمين إلى شرقي أفريقيا نتيجة الأحداث والظروف السياسية، واجتذبتهم إليها الصلات القديمة، ويسر المواصلات إلى سواحلها، كما قدمت أعداد من شيراز من بلاد فارس، ومجموعة من عُمان والإحساء واليمن واستقرت في شرقي أفريقيا.[3]

واستقر هؤلاء المسلمون جميعًا على طول الساحل الشرقي لأفريقيا ولم يتوغلوا إلى الداخل، وكانت مهنتهم التجارة في معظم الأحوال، وإن كانت التجارة قد سهلت سبل الاتصال بالسكان ودعوتهم للإسلام.

واستطاع هؤلاء المسلمون أن يؤسسوا مراكز تجارية كبيرة من أشهرها كلوه، ودار السلام وبفالة ومالندي وغيرها، وكانت ذات حضارة رفيعة كما ذكر ابن بطوطة وكذلك الپرتغاليون.

الاحتلال الپرتغالي

واحتل الپرتغاليون جزر القمر عام 908هـ، 1502م، بعد أن تمكنوا من الالتفاف حول أفريقيا، وأطلقوا على سكانها المسلمين اسم المورو مثل بقية المناطق التي وجدوا فيها مسلمين، ولم يجد الپرتغاليون صعوبة في دخول جزر القمر لضعف السكان وتفرقهم وعدم توحد صفوفهم. غير أن السكان لم يلبثوا أن ثاروا على البرتغاليين بسبب القسوة التي أبدوها والوحشية التي عاملوا بها الأهالي. وانتهت هذه الثورات بطرد البرتغاليين من البلاد.

سلطنة أنجوان

وفي عام 912هـ، 1506م، احتلت جماعة من تيراز بقيادة محمد بن عيسى جزيرة القمر الكبرى وأرسل محمد هذا ابنه حسناً فنزل في جزيرة أنجوان واستقر فيها، ثم لم يلبث أن أسس سلطنة، إذ تزوج بابنة زعيم موتسامودو عاصمة الجزيرة، وتلقب باسم السلطان حسن، ولما توفي خلفه ابنه محمد الذي تزوج بابنة زعيم جزيرة مايوت، ثم ألحقها بسلطنته، ثم أضاف إليه جزيرة موهيلي أيضاً، وأطاعه سلاطين جزيرة القمر الكبرى.

وحدث فتنة والحرب بين الأشقاء في جزر القمر خلف محمد ابنه عيسى، غير أنه لم يلبث أن ضعف حيث أصبح نفوذه اسميًا على جزيرة القمر الكبرى، وعندما توفي عيسى خلفته زوجته مولاية على السلطنة، مما أغضب الزعماء، فانتفضت جزيرة مايوت عليها، واستأثر بأمراء أنجوان زعيم موتسامودو، ففرت الملكة إلى مدينة دوموني، ومات زعيم موتسامودو فخلفته زوجته فاتنة، والثانية في أنجوان وهي مونلانة، وبقي الخلاف قائماً بين المدينتين حتى أيام الملكة عالمة التي بنت الجامع الكبير في موتسامودو عام 1670.

وخلال الصراع المحتدم بين الجزر، اكتسحت جيوش من جزيرة مدغشقر جزيرة أنجوان وفتكت بأهلها، واستمر ذلك الحكم حتى قام الأمير أحمد حفيد الملكة عالمة وجمع البلاد، وحكم في الفترة 1770-1784، وفي أيامه أغارت قبائل الساكافالا المدغشقرية على البلاد، فاضطرب حبل الأمن، واستقلت جزيرة مايوت عن أنجوان. وبعد موت الأمير أحمد خلفه الشيخ سالم الذي استمر حكمه حتى عام 1796م، ثم جاء بعده ابنه أحمد، وكان صغير السن، فنازعه عمه علوي إلا أنه فشل وفر إلى زنجبار، ثم أعاد الكَرَّة بعد عامين، وتمكن من خلع ابن اخيه أحمد، وتولى مكانه حتى عام 1820، وخلفه ابنه عبدالله الذي قاتل أهل مدغشقر، وجاءه أحد المتنازعين على الحكم في مدغشقر فأكرمه، وتمكن عبدالله من احتلال جزيرة مايوت.

حكم عبد الله

وفي عام 1793 بدأ بعض محاربين مالاجاشيين من مدغشقر بشن غارات على الجزر من أجل الحصول على الرقيق في بادئ الأمر، وبعد ذلك، قاموا بالاستيطان والاستيلاء على الكثير من المواقع. وبدأ الحكم الاستعماري الفرنسي في جزر القمر لأول مرة في عام 1841. وقام المستعمرون الفرنسيون الأوائل الذين هبطوا على جزيرة مايوت والملك المالاجاشي الذي يحكم جزيرة مايوت أندريان تسوولي بتوقيع اتفاقية في أبريل 1841 والتي تم بموجبها التنازل عن الجزيرة للقوات الفرنسية [4]. وفي عام 1886 تم وضع جزيرة موهيلي تحت الحماية الفرنسية على يد الملكة ساليمبا موشيمبا. وفي العام نفسه وافق السلطان سعيد علي على الحماية الفرنسية بعد تقوية سلطته على جزيرة القمر الكبرى، وعلى الرغم من ذلك فقد احتفظ بالسيادة حتى عام 1909. وأيضًا في عام 1909 قام السلطان سعيد محمد سلطان أنجوان بالتنازل عن العرش لصالح الحكم الفرنسي. وأصبحت جزر القمر (بالفرنسية: Les Comores‏) مستعمرة فرنسية رسميًا في عام 1912 وتم وضع الجزر تحت حكم الحاكم العام للاستعمار الفرنسي في مدغشقر في عام 1941.[5]


الاحتلال الفرنسي

جعل افتتاح قناة السويس بمصر عام 1869 الدول الأوروبية تتطلع للسيطرة على شرقي إفريقيا. وكانت فرنسا تبدي اهتمامًا كبيراً بالساحل الإفريقي المطل على خليج عدن، وذلك بعد احتلال بريطانيا لعدن سنة 1839، وعقدت معاهدات مع شيوخ القبائل في الدناقل وغيرها وهي ما تسمى بجيبوتي حالياً وبالصومال الفرنسي. وسيطرت فرنسا على منطقة الصومال الفرنسي ثم استولت على مدغشقر وجزر القمر. وقام المستوطنون الفرنسييون والشركات المملوكة لفرنسيين والأثرياء العرب ببناء اقتصاد يعتمد على الزراعة، وحتى الآن يستغل الاقتصاد ثلث مساحة الأراضي لزراعة محاصيل للتصدير. وبعد الاستيلاء على مايوت قامت فرنسا بتحويلها إلى مستعمرة مخصصة للزراعة. وتم تحويل الجزر الأخرى بعد ذلك بوقت قليل وتم تقديم المحاصيل الكبرى مثل إيلنج إيلنج والفانيليا والبن،والكاكاو والسيزال [6].

ساعد الخلاف القائم في جزر القمر بين الأخوة في الجزر على إتاحة الفرصة لفرنسا لكي تسيطر عليها، فقد ثار على عبد الله الكبير أخوه محمد، إلا أنه انتصر عليه، ولكن الحروب هدت قواه فطلب الحماية من فرنسا عام 1887. غير أن السكان قاموا بثورات ضد الفرنسيين ومات عبدالله مسموماً أو مخنوقاً، وتولى مكانه أخوه عثمان بن سالم، ولكن أهالي مدينة موتسامودو بايعوا ابن أخيه سالم بن عبدالله بن سالم، وجرى القتال بين الطرفين، فانتصر عثمان، والتجأ سالم إلى الفرنسيين وطلب المساعدة منهم، واعترف بحمايتهم، وبقي عثمان يقاومهم. أخيراً اضطر للاستسلام فنفي إلى الخارج.

وخضعت جزر القمر للحماية الفرنسية عندما وقَّع السيد عمر سليمان أنجوان معاهدة مع الفرنسيين واعترف بحمايتهم عام 1892، ولم يعش السيد عمر بعدها طويلاً إذ مات في السنة نفسها، وخلفه ابنه محمد بن عمر على جزيرة أنجوان وملحقاتها، وخلفه ابنه الآخر وهو علي على جزيرة القمر الكبرى.

واتبعت فرنسا سياسة استعمارية استغلالية، إذ عملت على جعل السياسة الاقتصادية والثقافية في يدها. وعملت على إبقاء المسلمين في حالة من الجهل والفقر والمرض، كما اتبعت سياسة القمع والإرهاب، وحرمت الطلاب الوطنيين من دخول المدارس الحكومية أو المستشفيات التي يشرف عليها المنَصِّرون إلا الذين اعتنقوا النصرانية. فكانت سياسة فرنسا تقضي باستيعاب المثقفين وتغريبهم وتوجيههم إلى فلك الثقافة الفرنسية. واتبعت كذلك سياسة التمييز بين الفرنسيين والوطنيين تمييزاً يعتمد على العون والتعالي والرتب العسكرية وكل جوانب الحياة.

وكانت جزيرة القمر مقسمة إلى اثنتي عشرة مقاطعة، لكل منها سلطان، وأكبرهم يعرف باسم سلطان تيبه ويخضع جميعهم له، وكان صاحب هذا المنصب السلطان أحمد، وهو أخو السيد عمر أحد وجهاء جزيرة أنجوان. فلما مات السلطان أحمد خلفه ابن أخيه علي بن عمر حسب وصية عمه أحمد، ولكن السلاطين الآخرين رفضوا تعيينه والخضوع له، وثاروا ضده بتحريك من السلطان موسى فومو الذي أراد أن يحل محله، ووقعت الحرب بين الطرفين، وخرج علي منتصرًا في الحرب بمساعدة جزيرة موهيلي له، وكذلك جزيرة أنجوان وبعض المقاطعات الأخرى في جزيرة القمر الكبرى نفسها، كما أن إنجلترا قد عرضت حمايته ولكنه رفض، وطلب من قائد قوات جزيرة مايوت المساعدة والحماية، وعندما عرضت إنجلترا مساعدتها لخصمه السلطان موسى فومو وافق. وأصبح الخصمان المتنازعان في الجزيرة في حماية الدولتين الاستعماريتين المتنافستين إنجلترا وفرنسا.

اقترحت فرنسا مساعدة السلطان علي، وعقدت معه معاهدة حماية عام 1886، غير أن الشعب قد ثار في جزر القمر، وعدوا السلطان عليا خائنًا لخضوعه لفرنسا، ولكن الثورة قمعت بشدة من قبل السلطات الفرنسية عام 1889، وأقر السلطان علي سلطاناً على جزيرة القمر الكبرى في الوقت الذي كان أبوه قد وقَّع معاهدة حماية مع فرنسا أيضاً، وأقرها ابنه محمد الذي خلفه على جزيرة أنجوان. ولكن فرنسا اتهمت السلطان عليًّا بمحاولة قتل المقيم الفرنسي هامبلوت، فقبضت عليه ونفته إلى خارج البلاد، وأصبح المقيم الفرنسي هو الحاكم الفعلي في البلاد.

الحماية الفرنسية على جزر القمر

تقع جزر القمر (1) في شرق أفريقيا، بينها وبين شمالي جزيرة مدغشقر وعلى بعد متساو تقريبا من كلا الجانبين يقرب من 275 كم وعلى عتبة بحرية لا يزيد عمقها على 300 متر (2). وتتكون جزر القمر من أربع جزر وهي جزيرة القمر الكبرى وعاصمتها موروني، وانجوان وموهيلي ومايوت وعاصمتها اودزي، وقد ارتبطت هذه الجزيرة بمصير مدغشقر نظرا لوقوعها بالقرب منها، ولأنهاتقع في منتصف الطريق بينها وبين القارة الأفريقية، واللغة العربية هي اللغة السائدة الى جانب اللغة السواحيلية التي تستعمل في الحياة اليومية (4).

وعلى الرغم من وصول البرتغال (5) الى جزيرة القمر الكبرى، الا أن الاوروبيين فضلوا الاستقرار في بداية الأمر في موزمبيق. ولكن هذا لا يعني أنهم انقطعوا عن زيارة الجزيرة، فقد زارها في القرن السابع عشر العديد من الرحالة (6) الذين انتموا لجنسيات مختلفة. على أن من أهم هؤلاء الرحالة خلال هذه الفترة من سلالات عربية، وفارسية، وزنجية، زار فلاكور جزيرة مايوت أيضا، فوصف الشواهد العربية فيها، وبينها وبين مدغشقر، وطلب فلاكور من حكومته ضرورة انشاء مستعمرة فرنسية في هذه الجزر، وأنه يمكن لفرنسا الاستفادة منها، وتحويلها الى مستعمرات فرنسية على غرار المستعمرات الأمريكية فمن الممكن زراعة القطن والطباق والبنجر فيها، وتوجيه السكان لزراعة أنماط زراعية معينة،’ وكتب فلاكور أنه رغم وجود أغلبية مسلمة بالجزيرة، إلا أنه من الممكن ارسال البعثات التنصيرية اليها (1).

واذا كان الرحالة الفرنسيون قد زارو جزر القمر خلال القرن السابع عشر والثامن عشر، الا أن السيطرة الفرنسية على هذه الجزيرة لم تتم الا منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى نهايته، بالاضافة الى أن حكام ريونيو لم يهتموا بهذه الجزر قد اهتمامهم بجزيرة مدغشقر.

ورغم وجود أغلبية مسلمة سنية في جزر القمر، إلا أنهم للأسف لم يحاولوا توحيد جهودهم ضد الغزو الفرنسي، بل انشغلوا في حروب أهلية طاحنة والبعض منهم طلب بنفسه فرض الحماية الفرنسية على مناطق نفوذه، وقد سقطعت جزر الكومور الأربع في يد فرنسا على التوالي ففي عام 1843 فرضت فرنسا حمايتها على مايوت وفي عام 1886 أعلنت حمايتها على موهيلي، وعلى جزيرة القمر الكبرى، وفي عام 1887 أعلنت حمايتها على انجوان.


أولا: اعلان الحماية على مايوت

كانت مايوت هي أولى جزر القمر التي وقعت في يد فرنسا، وكانت هذه الجزيرة تتبع أمراء جزيرة انجوان، وقد جذبت الجزيرة أنظار العديد من الرحالة الاوروبيين الا أن وزارة المستعمرات الفرنسية لم تهتم بها الا في القرن التاسع عشر عندما لفت لابورد انظار حكومته اليها، وقد ذكرنا من قبل أن لابورد طرد من مدغشقر بعد أن عمل فيها فترة طويلة، فقد طردته الملكة رانافالونا الأولى بسبب تزايد نفوذه وتقربه من ابنها ولي العهد راداما الثاني، فاتجه لابورد الى جزيرة مايوت للاقامة فيها، وكتب الى الحكومة الفرنسية بضرورة فرض الحماية على هذه الجزيرة التي تمتاز بثرواتها الطبيعية، وموقعها الممتاز بالاضافة الى ان الظروف الداخلية في الجزيرة كانت مهيأة لذلك لأنه لم تكن هناك قوة سياسية كبيرة في البلاد، على عكس الحال بالنسبة لمدغشقر حيث كان الهوفا يسيطرون على أجزاء كبيرة من مملكة نشطة، ولها تكوينها السياسي المعروف (1).

ولقد ساعدت الظروف الداخلية في مايوت فرنسا على فرض حمايتها عليها ففي عهد الملكة رانافالونا الأولى اتسمت سياستها في جزيرة مدغشقر بالتوسع وضم أراضي جيرانها فتوسعت الى جزيرة مايوت وعينت السلطان اندريات صولي لحكم الجزيرة، ولكنه خشى أن ينافسه أخد في حكمها فطلب بنفسه من الفرنسيين وقبل تعليم أولاده في جزيرة بوريون الفرنسية، ووقعت المعاهدة في 10 فبراير 1843، وأصبحت مايوت مستعمرة فرنسية، فكان بذلك أول مستعمرة من بين جزر القمر (2) وانعزلت بذلك نهائيا عن انجوان (3).

كسبت فرنسا العديد من الفوائد باعلان حمايتها على مايوت، فقد أصبحت لها حقوق في المنطقة، واستطاعت خلال هذه الفترة المبكرة أن تستبعد من الجزيرة النفوذ البريطاني نهائيات، كذلك شبه الساسة الفرنسيون جزيرة مايوت بأنها تبدو وكأنها بندقية مصوبة في قلب مدغشقر ومملكة الهوفا وذلك لنظرا لقربها منها. وقد تم وضع مايوت تحت قيادة قائد فرنسي مستقل عن حكام بوريون (ريونيون) وأصبحت الجزيرة تمثل قاعدة بحرية هامة لها قيمتها بالنسبة لفرنسا، وعندما أراد الفرنسيون احتلال مدغشقر بعد أربعون عاما من فرض حمايتهم على مايوت، أفادوا من تواجدهم، واستخدموها في عملياتهم العسكرية والبحرية ضد مدغشقر (4).


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ثانياً: جزيرة موهيلي

كانت جزيرة موهيلي، تتبع أمراء انجوان شأنها في ذلك شأن مايوت ويسكن الجزيرة جماعات فارسية من شيراز، كذلك من مدغشقر إلا أن أغلب السكان كانوا على المذهب السني وذلك بسبب وجود سلالات عربية فيها، وقد انتشرت الحروب الأهلية في جزيرة موهيلي، حتى وقعت في يد أحد أقارب راداما الأولى – ملك الهوفا في مدغشقر وكان يدعى رامانانيكا الذي أصبح سلطانا على البلاد واعتنق الاسلام وسمى نفسه عبد الرحمن (1).

ونلاحظ مدى الصلات الوثيقة بين جزيرة مدغشقر وجزر القمر فهناك اتصال دائم بين الطرفين، وللأوضاع الداخلية في مدغشقر صدى في جزر القمر، فكما استقر راماناتيكا في جزيرة موهيلي في عهد راداما الأول، نجد أن أندريان صولي فر من مدغشقر واستقر في مايوت وذلك في عهد الملكة رانافونا الأولى التي اتبعت سياسة توسعية في مدغشقر.

ظل عبد الرحمن أو رامانانيكا يحكم موهيلي، حتى توفى عام 1842 وقد اتسمت فترة حكمه بالقوة وتدعيم نفوذه في الجزيرة، وقد تولت ابنته حكم الجزيرة بعد وفاته، مما أدى الى تزايد أطماع جيرانها في مملكتها وخاصة سلطان زنجبار السيد سعيد بن سلطان الذي تطلع لمد نفوذه نحو الجنوب واراد تدعيم سيطرته على موهيلي اما عن طريق الزواج من السلطانة الجديدة، أو عن طريق اعلان تبعية الجزيرة له، كذلك تطلعت مملكة الهوفا في مدغشقر لوضع يدها على موهيلي، وخاصة وأن حكامها ينتمون لأصول من مدغشقر، ونتيجة لتزايد أطماع جيران جزيرة موهيلي فيها لجأت الملكة الى البحث عن حليف لها يقيها من أطماع الطامعين في عرشها، فاتصلت بالفرنسيين وقربت اليها سيدة فرنسية من بوند شيري تدعى مدام دورية، والتي أصبحت من أقرب مستشاريها ، ثم دخلت الملكة في مفاوضات مع الفرنسيين وقبلت اعلان الحماية الفرنسية على أراضيها في عام 1849، ولكن رغم اقدام الملكة على هذه الحطوة لتأمين مركزها في الجزيرة إلا أن سلطان زنجبار والأمراء العرب لم يرضوا بذلك ونجحوا في اقناع الملكة والضغط عليها لتغير موقفها والتخلي عن استبقائها الفرنسيين في مايوت، فقامت الملكة باستبعاد مدام دورية عام 1851، ثم قبل بعد ذلك الزواج من ابن عم سلطان زنجبار الذي حكم قبضته على البلاد، ولكن سرعان ما ضاقت الملكة بتقيد سلطانها ولم تقبل أن يدين سكان جزيرة موهيلي بالتبعة لزنجبار فقامت بثورة ضد زوجها فر على أثرها من البلاد عام 1890 (1).

وجدير بالذكر أن الفرنسيين تزايد نشاطهم في موهيلي، فقد عمل لابورد فيها كما عمل في مايوت من قبل على أثر طرده من مدغشقر، وقد تعاون مع لامبير لاكتشاف ثروات البلاد، وأنشأ شركة موهيلي، واصبح لامبير مستشارا خاصة للملكة، ونجح في اقناعها بادخال حاصلات زراعية جديدة في البلاد وقد وافقت الملكة على جميع مطالبه فسيطرة على الزراعة والصناعة والنواحي المالية في الجزيرة، وتركت له الملكة توجيه شئون الجزيرة السياسية والاقتصادية (2).

ولكن الأمور لم تستقر في جزيرة موهيلي مما دفع سكانها الى تشكيل وفد منها لطلب الحماية المصرية من الخديوي اسماعيل ففي عام 1875، وصلت حملة ماكيلوب باشا حتى قسمايو وسواحل أفريقيا الشرقية، فرأى سكان موهيلي انتهاز هذه الفرصة وكونوا وفدا منهم لمقابلة المسئولين المصريين الذين نصحوهم بالكتابة الى الخديوي وزيارة مصر لعرض طلبهم هذا (3).

ونتيجة لعدم استقرار الامور في موهيلي أجبرت الملكة على التنازل عن الحكم لابنها بعد فترة من الاضطرابات التي شهدتها الجزيرة في أعقاب طرد زوجها من البلاد، ولكن تعيين حاكم جديد في موهيلي لم ينه الاضطرابات بها، وعجز مجلس الوزراء عن السيطرة على الموقف فطلب من فرنسا اعلان الحماية الفرنسية على موهيلي وتم عقد معاهدة الحماية في 26 أبريل 1886، وهكذا نلاحظ ان اضطراب الأوضاع الداخلية في كل من مايوت وموهيلي دفع سكانهما لطلب الحماية الفرنسية (1).


ثالثاً: جزيرة القمر الكبرى

أما جزيرة القمر الكبرى فقد كانت مقسمة في زمن السيطرة الاستعمارية الى اثنى عشر مقاطعة كل منها عليه سلطان وأكبرهم يلقب باسم سلطان تيبه، يخضع له جميع السلاطين، وكان صاحب هذا اللقب هو السلطان أحمد الذي تولى الحكم منذ عام 1850 وحكم عاصمة الجزيرة موروني، ولكنه دخل في حروب أهلية مع جيرانه وأوصى بالحكم لابن أخيه السيد علي، ولكن مضى السلاطين رفض تنفيذ هذه الوصية بعد وفاته وتنصيب السيد علي سلطانا على جزيرة القمر الكبرى، واتجه البعض منهم الى الأمير موسى فومو سلطان مقاطعة ايتساندرا الذي رحب أن يكون هو صاحب لقب السلطان تيبه، فدارت الحرب بين الطرفين وهزم موسى، ويرجع السبب في انتصار السيد علي على منافسه المساعدات التي قدمها حكام انجوان وموهيني كذلك حكام مقاطعة بادجيني (2).

هذا وقد حاولت بريطانيا الافادة من الموقف في جزيرة القمر الكبرى فعرضت على السيد علي فرض حمايتها على السكان ولكنه رفض، وطلب المساعدة من الفرنسيين في مايوت ، فعرض عليه القائد الفرنسي فرض الحماية الفرنسية على بلاده، وقد لاحظ السلطان خلال هذه الفترة تزايد المنافسة الاوروبية في ساحل شرق أفريقيا وخاصة في زنجبار وتطلعت الدول المنافسة الى الجزر القريبة من هذا الساحل فطلب الألمان في زنجبار من السيد علي رفع العلم الألماني على جبال فومبوني ولكنه رفض، كذلك قرب اليه البريطانيون في زنجبار، أما فرنسا فقد قامت بارسال العالم الفرنسي همبلو في مهمة علمية وسياسية الى الجزيرة الغرض منها اكتشاف الجزيرة والتعرف على أوضاعها السياسية، وقد أفاض همبلو في وصف ثروة الجزيرة وخصوبة أراضيها وامكانية افادة فرنسا منها، وخلال فترة وجوده في الجزيرة عاد الأمير موسى فومو لمنافسة السيد علي، وعمل على طلب الحماية الفنسية من همبلو (1).

اتفق همبلو على نصوص معاهدة الحماية في 5 أكتوبر 1885 مع السيد علي الذي تعهد بقبول الحماية ، وعدم الاتفاق مع أية دولة اوروبية الا بعد مشورة فرنسا، وان يكون لفرنسا الامتياز والافضلية في الجزيرة على غيرها من دول اوروبا، كما أعطى السيد علي لهمبلو الحق في استغلال أراضي الجزيرة، وأصبح السيد علي بمقتضى المعاهدة سلطانا على خمس مقاطعات (2). وحكم العاصمة موروني، كذلك تعهد بعدم اعلان الحرب الا بعد موافقة فرنسا (3).

اعترفت الدولتان البريطانية والألمانية بالمعاهدة التي وقعها همبلو مع السيد علي، الذي وقع هو الآخر معاهدة الحماية في أول يناير 1886 (4).

وفي عام 1886 عين ويبر معتمدا فرنسيا في الجزيرة فدار صراع بينه وبين همبلو، واعتبر الأخير نفسه أحق من غيره لتولي ادارة الجزيرة، لأنه صاحب الفضل في استثمارها، وهو الذي لفت نظر الحكومة الفرنسية لها، كذلك لصلاته القوية مع السيد علي سلطان الجزيرة، بل أن شجع السلطن على غزو الجزيرة كلها وعدم الاكتفاء بالمقاطعات التي يحكمها (5).

أثارت المعاهدة التي وقعها السيد علي الوطنيين واتهموا السلطان بأنه جاء بالفرنسيين الى الجزيرة لاذلالهم فقامت ثورة في عام 1899 في مقاطعة بادجيني والتي كانت موالية للسلطان من قبل وتزعم امير يدي شيمون ولكن فرنسا نجحت في اخماد الثورة وقتل الأمير الثائر.

ولكن سرعان ما اندلعت ثورة أخرى في عام 1890 واضطر السيد علي الى الفرار ليلا من الجزيرة الى جزيرة مايوت في 13 فبراير 1891 حملته اليها سفينة فرنسية حاول الفرنسيون اقناع الأهالي بأن فرنسا ما زالت تعترف بالسيد عليى سلطانا على الجزيرة الا أنهم رفضوا الاستماع لهم فأرسلت فرنسا قوة صغيرة قمعت الثورة في 6 يناير 1892 عقدت فرنسا اتفاقا ألغت بموجبه السلطات الخمس وقسمت الجزيرة الى اثني عشرة مقاطعة وجعلت على كل مقاطعة قاضي، وعلى رأس كل قرية شيخا وانتقلت السيادة التي كانت للسلطان الى مجلس القضاة الذي ينعقد بحضور المقيم الفرنسي (1) كما فرضت فرنسا ضريبة على السكان من سن 12 الى 60 سنويا (2).

رغم كل الاجراءات التي اتخذتها فرنسا في الجزيرة الا أن الثورات لم تنقطع فيها، وجرت محاولة لقتل همبلو، فانتهز المقيم الفرنسي الفرصة، واتهم السلطان السيد علي رغم اقتناعه ببراءته، ولكنها كانت فرصة مثالية لنفيه والتخلص منه وقد تم نفيه الى ديجو سواريز في مدغشقر، ثم رينيون وبذلك انتهت فترة حكمه لينفرد الفرنسيون بالمنطقة (3).

رابعاً: أنجوان

أما جزيرة أنجوان ، فقد كانت آخر جزيرة من جزر القمر، التي فرضت عليها الحماية الفرنسية في عام 1887، وقد تمكن فرنسا من تحقيق غرضها بسهولة في هذه الجزيرة بسبب انتشار الحروب الأهلية. فقد دار صراع عنيف بين علوي بن عبد الله حاكم أنجوان ، وعمه سالم الذي عمل على محاصرتها في موتسامودو، وتحالف مع راماناتيكا (عبد الرحمن) حاكم موهيلي، ولم يتمكن علوي من التصدي لعمه فهرب الى جزيرة القمر الكبرى، ومنها الى موزمبيق، ثم استقر به المقام في موريشيوس حيث توفى بها عام 1842 (4).

ورغم انفراد سالم بالحكم في أنجوان، إلا أن الأمور لم تستقم له، وذلك بسبب انتشار القوى والحروب الأهلية، فقام وفد من سكان الجزيرة بمقابلة القائد المصري رضوان باشا في 27 نوفمبر 1875 أثناء تواجد القوات المصرية في شرق افريقيا وطلبوا منه دخول الجزيرة تحت الحماية المصرية (1).

وفي الواقع كانت الحكومة المصرية وخلال هذه الفترة مشغولة بتدعيم سطيرتها على ساحل شرق افريقيا، أكثر من اهتمامها بهذه الجزيرة الصغيرة.

وتوفى سالم ليخلفه في حكم انجوان ابن عمه عبد الله الذي تقرب من البريطانيين ووقع معهم معهدة في عام 1882، نصت على الغاء تجارة الرقيق في انجوان، ولكن ترتب على توقيعه هذه المعاهدة ثورة التجار ضد عبد الله، لأنه هذه التجارة مثلت لهم مصدر رزق، فاندلعت الحروب الأهلية من جديد في انجوان واضطر عبد الله للابقاء على عرضه الى طلب الحماية الفرنسية على الجزيرة (2).

وتم توقيع معاهدة الحماية الفنرسية على انجوان في 15 اكتوبر 1887 تعهد حكام الجزيرة بقبول ممثل فرنسي في أراضيهم، وأعطوا لفرنسا حق انشاء المدارس، كما أعطت المعاهدة للممثل افرنسية حق التجارة في المنطقة، وقبل السلطان فتح الجزيرة لرجال الأعمال، والتجار الفرنسيين وتشكيل محاكم فرنسية للتقاضي فيها، كذلك الاعتراف بحقوق الأجانب الذين استقروا في الجزيرة منذ فترة طويلة، وحرية الملاحة، واستقبال السفن الفرنسية، كذلك تعهد السلطان بعدم نقل الأسلحة الى بلاده ومنع تجارة الرقيق (3).

وافق اذن عبد الله بن سالم على قبول الحماية الفرنسية ، ولكنه رفض عرض قدمه ترويل المعتمد الفرنسي بأن تكون الادارة الداخية في الجزيرة في يد فرنسا، واعتبر ذلك مساسا بحقوقه، واندلعت الثورة في انجوان وقام المسلون بمهاجمة مقر المعتمد الفرنسي وأهانوا العلم الفرنسي ، ثم توفي عبد الله ليخلفه أخاه عثمان فاندلعت الثورة في انجون والحروب الأهلية من جديد لأن أهالي موتسا مودو والعرب بايعوا السيد سالم بن عبد الله، بينما بايع الزنوج عثمان، واضطر سالم الى الفرار الى دوموني فتعقبهم عثمان وقبض على ابن اخيه سالم، وخلال فترة الحروب الأهلية بين عثمان وابن أخيه أفادت فرنسا من الموقف فأنزلت جنودها الى الجزيرة وقامت بنفي كل من عثمان وسالم الى نيو كاليدونيا (1)، ونصب الفرنسيون السيد عمر أميرا على انجوان فعين حاكما عليها في الفترة ما بين 1891-1892 وأعلن في 21 أبريل 1892 قبوله الحماية الفرنسية (2)، تلك الحماية التي وافق عليها من قبل السلطان عبد الله بن سالم.

ونلاحظ أنه على الرغم من فرض الحماية الفرنسية على انجوان وقبول السلطان عبد الله بن سالم توقيع معاهدة مع الفرنسيين بهذا المعنى في عام 1887، الا أن السلطان الجديد السيد عمر الذي نصبه الفرنسيون على الجزيرة بعد فترة الحروب الأهلية اعترف هو الآخر بهذه الحماية مرة ثانية في عام 1892، مؤكدا حق فرنسا في المنطقة فدفع لهم بذلك ثمن تنصيبه سلطان على بلاده.

رغم وجود أغلبية مسلمة في جزر القمر الأربع، الا أنه للأسف لم يكن لهم دور فعال في مقاومة النفوذ الفرنسي فلم يحاولوا تنظيم أنفسهم، وانما انشغلوا جميعا بالحروب الأهلية فيما بينهم، كذلك لا نجد في جزر الكومور تنظيما سياسيا قويا كالذي وجدناه في مدغشقر.

عند ختام الحديث عن جزر القمر، نذكر أنه صدر قرارا في عام 1912 أصبحت بموجبه هذه الجزر مستعمرة فرنسية وكانت محميات من قبل باستثناء مايوت. ثم ألحقت هذه الجزر بمدغشقر، وبقيت تتبعها لمدة عامين حتى عام 1814، ثم عادت مستعمرة منفصلة واستمر ذلك الوضع حتى ما بعد الحرب العالمية الثانية (3).

وكغيرها من المستعمرات الفرنسية لم يكن لجزر القمر الحق في ارسال مبعوثين الى البرلمان الفرنسي، وانما كان له ممثل خاص في مجلس المستعمرات الأعلى، وكان فرنسيا من أصحاب الأملاك المستعمرين في تلك الجزر، وبدأت هذه الجزيرة تأخذ طريقها للاصطباع بالصبغة الفرنسية كغيرها من المناطق التابعة لفرنسا (1).

1913

وفي عام 1913، صدر قرار بوضع جزر القمر تحت السيطرة الفرنسية التامة، وأصبحت تلك الجزر مستعمرة فرنسية، وحتى ذلك الوقت لم تكن مستعمرة سوى جزيرة مايوت ثم ألحقت هذه الجزر بجزيرة مدغشقر عام 1915، وبقيت تتبعها مدة عامين، ثم عادت مستعمرة منفصلة، واستمر ذلك حتى بعد الحرب العالمية الثانية، إذ أصبحت تحكم الجزر جمعية منتخبة مؤلفة من ثلاثين عضواً.

وفي عام 1957، تكوّن مجلس حكومي من 6 وزراء، ويرأس هذا المجلس أحدهم وهو السيد محمد الشيخ، ويتمثل المجلس في الجمعية الوطنية في باريس، وكان المجلس النيابي القمري يتألف من 38 عضواً، ويترأس الحكومة السيد أحمد عبدالله، وهو رئيس حزب الاستقلال ووحدة جزر القمر، وذلك بعد انتخابات 1961، وأصبح لفرنسا مندوب سام، وبدأت المطالبة بالاستقلال منذ عام 1972 بشكل واسع، سواء من قبل الحكومة أو من قبل المعارضة التي يمثلها الحزب الاشتراكي وحزب الحركة القومية لتحرير جزر القمر.

الاستفتاء

 
علم جمهورية القمر من سنة 1996 إلى سنة 2001 ـ اللون الأخضر والهلال يمثلان الإسلام الذي هو دين الدولة الرسمي، أما النجوم الأربعة فهي ثمتل الجزر المكونة للاتحاد القمري وهي: القمر الكبرى، أنجوان، موهيلي ومايوت. مايوت هي الجزيرة الوحيدة من بين الجزر الأربعة التي رفضت الانضمام إلى دولة القمر وفضلت البقاء تحت السلطة الفرنسية لأسباب اقتصادية، لكن هذا لم يمنع الاتحد القمري من اعتبارها جزء ا من الوطن حيث أنها مازالت تطالب بضمها وباستقلالها عن فرنسا.

وفي عام 1974، جرى الاستفتاء على الاستقلال، ودَلَّت النتائج على أن 95% قد أيدوا الاستقلال التام عن فرنسا، غير أن جزيرة مايوت كانت النتيجة فيها مختلفة إذ أن 64% أيدوا البقاء مع فرنسا نتيجة وجود الأجانب فيها.

الاستقلال

وكانت الثلاثون سنة التالية فترة اضطرابات سياسية. وفي الثالث من أغسطس من عام 1975 قام المرتزق بوب دينارد بمساعدة سرية من جاك فوكار والحكومة الفرنسية بخلع الرئيس أحمد عبد الله من منصبه عن طريق انقلاب مسلح واستبداله بعضو الجبهة الوطنية المتحدة في جزر القمر الأمير سعيد محمد جعفر. وبعد عدة أشهر، في يناير 1976 تم خلع جعفر لصالح وزير الدفاع علي صويلح[7]. وفي هذا الوقت، صوت سكان مايوت ضد الاستقلال عن فرنسا في استفتاءين (استفتاء). وتم الاستفتاء الأول في ديسمبر 1974 وبلغت نسبة تأييد استمرار العلاقات مع فرنسا 63.8%، بينما تم الاستفتاء الثاني في فبراير 1976 والذي أكد ذلك التصويت بأغلبية 99.4%. وقامت الثلاث جزر الباقية تحت حكم الرئيس صويلح بإصدار عدد من السياسات الاشتراكية والانعزالية التي أدت في وقت وجيز إلى توتر العلاقات مع فرنسا. وفي الثالث عشر من مايو من عام 1978 عاد بوب دينارد للإطاحة بالرئيس صويلح وإعادة عبد الله بتأييد من الحكومة الفرنسية وحكومة جنوب إفريقيا. وخلال فترة حكم صويلح القصيرة شهد سبع محاولات انقلاب إضافية حتى تم طرده من منصبه وقتله في نهاية المطاف.[7] وعلى النقيض من صويلح، فإن رئاسة عبد الله تميزت بالاستبداد والالتصاق الزائد بالإسلام التقليدي[8]. كما تم تغيير اسم الدولة إلى (République Fédérale Islamique des Comores) أي جمهورية القمر الاتحادية الإسلامية. واستمر عبد الله في الرئاسة حتى عام 1989 عندما خشي من حدوث انقلاب فقام بإصدار قرار يأمر الحرس الجمهوري بقيادة بوب دينارد بنزع سلاح القوات المسلحة. وبعد وقت قصير من توقيع القرار، زعم أن عبد الله قد لقى مصرعه في مكتبه رميًا برصاص ضابط عسكري ناقم. وعلى الرغم من ذلك، زعمت مصادر فيما بعد أنه تم إطلاق صاروخ مضاد للدبابات على غرفة نومه وقتله[9]. وعلى الرغم من إصابة دينارد، إلا أنه كان هناك شك في أن قاتل عبد الله كان ضابطًا تحت إمرته[10]. وبعد عدة أيام, تم إجلاء دينارد إلى جنوب إفريقيا على يد المظليين الفرنسيين. وبعد ذلك، أصبح سعيد محمد جوهر الأخ الأكبر غير الشقيق لصويلح الرئيس واستمر حتى عام 1995 عندما عاد بوب دينارد وحاول القيام بانقلاب آخر. وفي هذه المرة، تدخلت فرنسا بإرسال جنود مظلات وأجبرت دينارد على الاستسلام[11][12]. وقام الفرنسيون بنفي جوهر إلى ريونيون، وأصبح محمد تقي عبد الكريم المدعوم من باريس رئيسًا عن طريق الانتخابات. وقاد البلاد منذ عام 1996 خلال فترة من أزمات العمالة والقمع حكومي وخلافات مع الانفصاليين حتى وفاته في نوفمبر عام 1998. وخلفه الرئيس المؤقت تاج الدين بن سعيد مسوندي.[13] وقد أعلنت جزيرة أنجوان وجزيرة موهيلي استقلالهما عن جزر القمر في عام 1997 في محاولة لاستعادة الحكم الفرنسي. لكن فرنسا رفضت طلبهما مما أدى إلى مواجهات دموية بين القوات الاتحادية والمتمردين[14]. وفي أبريل 1999 قام العقيد غزالي عثماني رئيس أركان الجيش بالاستيلاء على السلطة في انقلاب غير دموي مطيحًا بالرئيس المؤقت مسوندي مشيرًا إلى القيادة الضعيفة في مواجهة الأزمة. وكان هذا هو الانقلاب الثامن عشر في جزر القمر منذ الاستقلال في عام 1975[15]. بيد أن غزالي فشل في تعزيز سلطته وإعادة فرض السيطرة على الجزر وكان هذا الأمر مثار انتقاد دولي. وقام الاتحاد الإفريقي تحت رعاية رئيس جنوب إفريقيا إمبيكي، بفرض عقوبات على أنجوان للمساعدة في عقد المفاوضات والتوصل للصلح.وتم تغيير الاسم الرسمي للدولة إلى «اتحاد جزر القمر» وأصبح هناك نظام سياسي جديد يتمثل في الحكم الذاتي لكل جزيرة بالإضافة إلى حكومة اتحادية للثلاث جزر. وقد تنحى غزالي عن الحكم في 2002 لخوض انتخابات ديموقراطية على منصب رئيس جمهورية جزر القمر وقد فاز فيها. ومنع استمرار الضغط الدولي نظرًا لكونه حاكمًا عسكريًا جاء أصلاً إلى السلطة عن طريق القوة ولم يكن ديموقراطيًا طوال بقائه في منصبه، قام غزالي بعمل تغيرات دستورية في جزر القمر تتيج إجراء انتخابات جديدة[16]. وتم سن قانون تشريعي Loi des compétences' في أوائل عام 2005 والذي يحدد مسئوليات كل هيئة حكومية وهو في حيز التنفيذ. وفاز في الانتخابات التي أجريت في عام 2006 أحمد عبد الله محمد سامبي وهو رجل دين مسلم سني ويكنى بآية الله نظرًا للوقت الذي أمضاه في دراسة الدين الإسلامي في إيران. وقد احترم غزالي نتائج الانتخابات وبذلك سمح بأول تبادل سلمي وديموقراطي للسلطة في الأرخبيل [17]. وفي عام 2001 استولى العقيد محمد بكار وهو ضابط سابق تم تدريبه على يد الشرطة الفرنسية على السلطة الرئاسية في أنجوان. وقام بإجراء تصويت في يونيو 2007 ليؤكد قيادته التي تم رفضها من قبل الحكومة الاتحادية القمرية والاتحاد الإفريقي بوصفها غير شرعية. وفي الخامس والعشرين من مارس من عام 2008 قام مئات من جنود الاتحاد الإفريقي وجزر القمر بالاستيلاء على جزيرة أنجوان التي يحكمها المتمردون، وكان هناك ترحيب بشكل عام من السكان بهذا الأمر. ووردت أخبار عن أنه تم تعذيب مئات بل آلاف الأشخاص خلال فترة رئاسة بكار [18]. وتم قتل وجرح بعض المتمردين لكن لا يوجد أي أرقام رسمية عن عددهم. فقد جرح أحد عشر مدنيًا على أقل تقدير. وتم سجن بعض المسئولين. وقد لاذ بكار بالفرار في زورق بخاري سريع إلى جزيرة مايوت، وهي مقاطعة فرنسية في المحيط الهندي، كي يطلب اللجوء السياسي. وقد تبع هذا الأمر احتجاجات مناهضة للتدخل الفرنسي في جزر القمر (انظر غزو أنجوان في 2008) وقد شهدت جزر القمر منذ الاستقلال عن فرنسا أكثر من عشرين انقلاب أو محاولة انقلاب [19].


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أزمة أنجوان 2007-2008

انظر أيضاً

المصادر

  1. ^ Federal Research Division of the Library of Congress under the Country Studies/Area Handbook Program (1994). Ralph K. Benesch (ed.). A Country Study: Comoros. Washington, D.C.: US Department of the Army. {{cite book}}: Unknown parameter |accessmonth= ignored (|access-date= suggested) (help); Unknown parameter |accessyear= ignored (|access-date= suggested) (help); Unknown parameter |month= ignored (help)
  2. ^ Thomas Spear (2000). "Early Swahili History Reconsidered". The International Journal of African Historical Studies. 33 (2): 257–290. doi:10.2307/220649.
  3. ^ "حكاية " جزر القمر" حيث الحياة الأفضل للمرأة العربية". بوابة أخبار اليوم. 2013-11-14. Retrieved 2013-12-24.
  4. ^ Ottenheimer, Martin and Ottenheimer, Harriet (1994). Historical Dictionary of the Comoro Islands. African Historical Dictionaries; No. 59. Metuchen, N.J.: Scarecrow Press. pp. 53–54. ISBN 9780585070216.{{cite book}}: CS1 maint: multiple names: authors list (link)
  5. ^ Andre Bourde (1965). "The Comoro Islands: Problems of a Microcosm". The Journal of Modern African Studies. 3 (1): 91–102. doi:10.1017/S0022278X00004924. {{cite journal}}: Unknown parameter |month= ignored (help)
  6. ^ Barbara Dubins (1969). "The Comoro Islands: A Bibliographical Essay". African Studies Bulletin. 12 (2): 131–137. doi:10.2307/523155. {{cite journal}}: Unknown parameter |month= ignored (help)
  7. ^ أ ب Eliphas G. Mukonoweshuro (1990). "The Politics of Squalor and Dependency: Chronic Political Instability and Economic Collapse in the Comoro Islands". African Affairs. 89 (357): 555–577. {{cite journal}}: Unknown parameter |month= ignored (help)
  8. ^ Abdourahim Said Bakar (1988). "Small Island Systems: A Case Study of the Comoro Islands". Comparative Education. 24 (2, Special Number (11): Education and Minority Groups): 181–191. doi:10.1080/0305006880240203.
  9. ^ Christopher S. Wren (1989-12-08). "Mercenary Holding Island Nation Seeks Deal" (LexisNexis). New York Times. Retrieved 2007-01-03.
  10. ^ Matloff, Judith (10/6/95). "Mercenaries seek fun and profit in Africa". Vol. 87, no. 219. Christian Science Monitor. ISSN 0882-7729. {{cite news}}: Check date values in: |date= (help)
  11. ^ Marlise Simons (1995-10-05). "1,000 French Troops Invade Comoros to Put Down Coup". New York Times. pp. Section A, Page 10, Column 3.
  12. ^ AP (1995-10-06). "French Mercenary Gives Up in Comoros Coup". New York Times. pp. Section A, Page 7, Column 1.
  13. ^ Kamal Eddine Saindou (1998-11-06, Friday, AM cycle). "Comoros president dies from heart attack". The Associated Press. pp. International News. {{cite news}}: Check date values in: |date= (help)
  14. ^ Moyiga Nduru (1997-09-17). "COMORO ISLANDS: TENSION RISING IN THE INDIAN OCEAN ARCHIPELAGO". IPS-Inter Press Service/Global Information Network.
  15. ^ "COMOROS: COUP LEADER GIVES REASONS FOR COUP". BBC Monitoring Africa (Radio France Internationale). 1999-05-01.
  16. ^ "Comoros said "calm" after Azali Assoumani declared elected as federal president". BBC Monitoring Africa. 2002-05-10.
  17. ^ UN Integrated Regional Information Networks (2006-05-15). "Comoros; Ahmed Abdallah Sambi Set to Win Presidency by a Landslide". AllAfrica, Inc. Africa News.
  18. ^ "COMOROS: The legacy of a Big Man on a small island". IRIN.
  19. ^ "Anti-French protests in Comoros". BBC News. March 27, 2008. Retrieved 2008-03-27.

وصلات خارجية