أحمد بن علي الدمهوجي

أحمد زيد على بن أحمد الدمهوجي (1761م- 1831م) الشافعي الشيخ الخامس عشر للأزهر، ينسب إلي قرية الدمهوج بمحافظة المنوفية، ولي المشيخة 1829 وبقى بها ستة أشهر حتى لقى ربه، كان عازفاً عن زينة الدنيا ومظاهرها، منقطعاً للتدريس والعبادة، ولذا قل ما عرف من أخباره.

أحمد بن علي الدمهوجي
Damhoogy.jpg
وُلِدَ1761م
توفي1831، 70 عاماً

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نسبته

ولد بالقاهرة سنة 1170 هـ، وقيل سنة 1761 م. كانت داره برقعة القمح، وراء رواق الصعايدة، بجوار الأزهر، وهناك عطفة تعرف بعطفة الدمهوجي. ويعود نسب الشيخ الدمهوجي إلى قرية دمهوج بمحافظة المنوفية، بالقرب من بنها، وهي القرية التي يرجع إليها أصل عائلته وإقامتهم فيها قبل انتقالهم إلى القاهرة، لذلك انتسب إليها، برغم أن ولادته كانت في القاهرة.


نشأته ومراحل تعليمه

حَفِظَ القُرآن الكريم، ودخَل الأزهر، ودرس على كبار علمائه، وكان شَغُوفًا بتحصيلِ العلم؛ ولهذا انقطع للبحث والدرس، وقرية " دمهوج" التي نُسِبَ اليها الإمامُ مسقط رؤوس آبائه وأجداده، وهي وإنْ لم يكن لها تاريخٌ حافلٌ في المصادر إلا أنها كانت في زمنٍ ما ذات شأن، تلقى الشيخ الدمهوجي العلوم الأزهرية على أيدي علماء الأزهر وشيوخه، وأثبت في تحصيل العلوم درجة عالية، وشغفًا عظيمًا، فقد كان ذكاؤه باهرًا.[1]

وقبل أنْ يتولَّى الشيخ "الدمهوجي" منصبَ شيخ الأزهر ظلَّ المنصب شاغرًا لمدَّة ستَّة أشهر بعد وفاة الشيخ العروسي، والمؤرِّخون لم يُناقشوا في كياسته وحُسن تعرُّفه في سياسته وقُدرته على حلِّ المشكلات.

منزلته

الإمام "الدمهوجي" كان ذا مَآثِر شتَّى، ومَفاخر مُتنوِّعة، ومنها على سبيل المثال أنَّه كان لبيبًا يشدُّ انتباه كلِّ مَن يسمعُه، ويجذبُ محدِّثَه نحوه، وأنَّه كان لا يملُّ التدريس لطلابه؛ فقد كان يأتي حلقة درسه عند تنفُّس الصبح ولا يُغادرها حتى تغرُب الشمس، وكان طلابه لا يَسأَمون ذلك، ولا يقلُّون شغفًا عنه بمتابعة كلِّ ما يقولُ؛ حرصًا على ما يستفيدونه من علمه، وما يقطفونه من ثمار العلم ولا يجدونها عند غيره، فهو بحرٌ لا ساحلَ له ولا قَرار، ولأنَّه أدرك عددًا كبيرًا ممَّن جلسوا على كرسيِّ المشيخة وغيرهم من كبار العلماء وتتَلمَذ عليهم، واستفادَ منهم وعددُهم كبير، وقد شهدوا له وأثنَوْا عليه وعلى عِلمه ودِينه وخُلُقِه، ولولا ذلك لما اختاروه لمنصب المشيخة، ولا جلس على هذه المكان السامي، ويذكر ممَّن أرَّخوا للشيخ "الدمهوجي" أنَّه لم يحبس وقته وجهده على تحصيل العلم وتدريسه فقط، وإنْ كان هذا عملاً مشكورًا يستحقُّ الثناء عليه والجزاء من الله سبحانه، وإنما كان يُخصِّص وقتًا يخلو فيه لعبادة ربِّه ليلاً، ويشكر ربَّه على نعمائه، فحياته كانت مقسَّمة بين تحصيل العلم وتدريسه، والانقطاع لعبادة الله سبحانه، وظلَّ هكذا رغم الأعباء الجِسام الملقاة على كاهله؛ ولهذا لم يستطع أنْ يُشارك في الاجتماعات العامَّة أو الخاصَّة. كان الشيخ الدمهوجي حسن الصورة، هادئ الطبع، زاهدًا، منقطعًا للعبادة والتدريس وتحصيل العلم.

وقد جاء في كتاب حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر وصفًا للشيخ الدمهوجي أنه: «الفاضل الجهبذ الهمام، والعاقل العالم الإمام، من استوى على عرش العلوم، وثوى على مهاد المنطوق منها والمفهوم، فهو الفرد الكامل المستجمع لفرائد الفضائل، قد حضر دروس علماء عصره، وفاق حتى انفرد في مصره، وشهد له العموم بأنه بكمال الفضل موسوم، وأذن له شيوخه ذوو المقام المنيف بالتدريس والإفتاء والتأليف، وانتشر في الأقطار ذكره وسما في الأمصار قدره، ولم تزل سيرته حسنى إلى أن دعي إلى المحل الأسنى، وذلك في رمضان سنة ألف ومائتين وست وأربعين»(1). ولم يأخذ الشيخ حقَّهُ من الشُّهْرَةِ والذُّيوع رغم تلاميذه الكثيرين؛ لانقطاعه للعبادة، وحبه في عدم الظهور وإلقاء الضوء على شخصه. ولا يعرف عن حياته إلا القليل، ولعل هذا يرجع إلى زُهده وتواضعه وبُعده عن مظاهر الحياة ومشاغلها، وانقطاعه الكامل للدراسة والتدريس بالأزهر، فإذا فرغ من دروسه أقبل على الصلاة والعبادة بمسجد الأزهر، وهكذا عاش متفرغًا للتدريس والدراسة والعبادة لله.


ولايته للمشيخة

بعد وفاة الشيخ العروسي ظل منصب مشيخة الأزهر خاليًا إلى أن جاء قرار الوالي -بعد إجماع العلماء- بتكليف الشيخ الدمهوجي لتحمل أعباء هذا المنصب، وعُيِّن الشيخان المهدي والأمير وكيلين للشيخ الدمهوجي نظرًا لكبر سنه، واحتياجه لمن يساعده في القيام بمهام هذا المنصب. وقد تولَّى الشيخ الدمهوجي مشيخة الأزهر فترة قصيرة جدًّا وهي ستة شهور فقط، حتى توفاه الله. فلم تُسلَّط عليه الأضواء ولم يجذب اليه الأبصار، أضفْ إلى ذلك اهتمامه بالدرس والتدريس، والعبادة أغلب الليل شغلته عن التأليف والتصنيف، والمؤرِّخون لم يذكروا عن حياته إلا القليل؛ وهذا راجعٌ إلى زهده وتواضعه وبُعده عن مَشاغل الحياة ومَظاهرها، دائم الصلاة بمسجد الأزهر، يقول صاحب "الخطط" في مذكراته: "إنَّه تولَّى مشيخة الأزهر وله من العمر سبعون عامًا، وذلك سنة 1246هـ - 1830م، وظلَّ بها مدَّة ستَّة أشهر فقط، حيث توفَّاه الله سبحانه، والمشهور عنه أنَّه كان حسَن الصورة، جميل الهيئة، أنيق الهندام، ذا هيبةٍ ووقار، يجلُّه كلُّ الناس؛ مَن يعرفه ومَن لا يعرفه، حكَّامًا ومحكومين، وهناك وثيقة مهمَّة تُؤيِّد ذلك ذكَرَها صاحب "كنز الجواهر" تحملُ دلالات تشيرُ إلى كيفيَّة تولِّي الإمام "الدمهوجي" مشيخة الأزهر، أهمها:

  1. أنَّ الحاكم كان حريصًا على إرضاء علماء الأزهر، وفي هذا يقول الوالي: "إنَّ أقصى مرامنا راحة فقهاء الجامع الأزهر".
  2. أنَّ الحاكم كان يأخذ برأي كبار الفقهاء والعلماء فيمَن يُولِّيه مشيخة الأزهر.
  3. أنَّ الحاكم كان حريصًا على تيسير كلِّ وسائل المعونة لمن ولاه مشيخة الأزهر؛ حيث لاحَظ تقدُّم العمر للشيخ "الدمهوجي"، ويحتاج لمن يُعاونه في تحمُّل أعباء المشيخة ومنصبها... والوثيقة مع هذا تُعطينا صورةً لأسلوب الكتابة في عصر الشيخ "الدمهوجي" تهمُّ الباحثين في تاريخ الأدب وتطوُّر أسلوب النثر، كما تهمُّ المؤرِّخين والمهتمِّين بالعلوم الإداريَّة، وقد أثبَتَها صاحب "كنز الجواهر" مَن أرادها كاملةً فلينظُرها وهي تشملُ كيف تولَّى الإمام "الدمهوجي" المشيخة.

مؤلفاته

لم تكن للإمام "الدمهوجي" مؤلَّفات تستوعب ثقافته، وتحفظ نتاجه، ويكفيه ما خلَّفَه من التلاميذ الذين تخرَّجوا على يديه وأفادوا من منهجه في كسب المعارف المختلفة والعلوم المتنوِّعة، ولم يكن الدمهوجي هو أوَّل الأئمَّة الذين شغلَهُم التدريس عن التأليف؛ فقد سبقه إلى ذلك الأئمَّة من قبله؛ مثل: "النشرتي، والقليني، وشنن، والسجيني"، وكان لتلاميذه الأثر الذي لا يُنكَر في نشر علومهم، وإذاعة مَعارفهم، وقد كان أبو حنيفة النعمان أشهرَ الرجال في هذا المجال، فقد صرفه التدريس عن التأليف، وتولَّى أبو يوسف ومحمد وظفر وغيرهم من أصحابه نشرَ مذهب أبي حنيفة، فألَّفوا الكتب الكبيرة والمبسوطات الكثيرة، التي ما زال رجال المذهب يشربون من مَناهِلها حتى اليوم، ولم يكن أبو حنيفة وحدَه الذي سلك هذا المسلك؛ فقد كان السيد جمال الدين الأفغاني وهو أمَّة وحدَه في الذود عن الدِّين الإسلامي والدِّفاع عن مَبادئه.

وفــاتــه

ظلَّ تلاميذه عشَّاق حلقته الذين وَرِثوا العلم عنه ونشَروه، حتى لبَّى الإمام "الدمهوجي" نداءَ ربِّه ليلة عيد الأضحى بعد إتمام الحجيج الوقوف بعرفات سنة 1246 هـ = 21 مايو سنة 1831 م. وصُلِّي عليه بالأزهر الشريف، وحُمِل إلى قبره في تراب المقطم في جنازةٍ جليلة مَهِيبة سار خلفَه فيها الخاصَّة والعامَّة.

مصادر

  1. ^ "فضيلة الإمام الشيخ أحمد الدمهوجي". مشيخة الأزهر الشريف.
  • الأزهر في اثني عشر عامًا، نشر إدارة الأزهر.
  • حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر، لعبد الرزاق البيطار.
  • شيوخ الأزهر، تأليف: أشرف فوزي.
  • عجائب الآثار للجبرتي، نشر لجنة البيان العربي.
  • كنز الجوهر في تاريخ الأزهر، تأليف: سليمان رصد الحنفي الزياتي.
  • مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن، تأليف علي عبد العظيم.
  • (1)ينظر: حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر، لعبد الرزاق البيطار. إعداد/ د-أحمد حمدي
قبلــه:
محمد بن أحمد العروسي
شيخ الجامع الأزهر
الخامس عشر (1245 هـ - 1246 هـ / 1829م - 1830م)
بعــده:
حسن بن محمد العطار